Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها

 

 

 

 

أ.د/ طه جابرالعلواني

إنَّ القرآن المجيد كان ولا يزال وسيبقى إلى يوم الدين مصدر النور والهدى، وبؤرة الإشعاع الهادي ومنطلق الهداية، ليس فيه حرف أو نبرة يمكن أن تبرز أو تعزز ثقافة مغشوشة خليطًا، كالتي تعشش في عقول وبيئات غالبيَّة المسلمين وجمهرتهم، والسنَّة النبويَّة تتبع القرآن وتدور حوله حيث دار، منه تستمد نورها كما يستمد القمر نوره وضياءه من الشمس، فهي بريئة حين تصح عن الصادق الأمين –صلى الله عليه وآله وسلم- من كل زيف، خالية من كل اختلال أو اضطراب.

وإنّ الأمم تحمل نور الوحي بطريقين: طريق حماريٌّ وطريق إنسانيٌّ. فالطريق الحماريُّ: هو ما أوضحه القرآن المجيد في الآية الخامسة من سورة الجمعة: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (الجمعة:5). وهذه الآية الكريمة سبقتها آيات امْتَنَّ الله (تبارك وتعالى) بها على الشعوب الأمِّيَّة، بأن أرسل فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته (فيتعلمون منه القراءة الصحيحة السليمة)، ويزكيهم، فتحدث القراءة أثرها فيهم وتؤتي ثمرتها، وهي التزكية، ويعلمهم الكتاب والحكمة التي بها يتمكنون من فقه الاستخلاف العمرانيِّ والقيام بمهامِّه بأحسن وجه وأتمه.

أمّا الطريق الثاني فهو الطريق الإنسانيَّ في حمل الكتاب: وهي التي أشارت إليها الآيات التي بيَّنت وظائف ومهام الرسول –الذي بعث في الأميِّين –صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه.

وإذا كان بنو إسرائيل قد حمِّلوا التوراة، ثم لم يحملوها إلا بالطريقة الحماريَّة، فذلك لم يكن شأنًا خاصًّا بهم؛ بل هناك أمم أخرى حمِّلت كتبًا سماويَّة ورسالات إلهيَّة، فلم تحملها إلا بـ«الطريقة الحماريَّة» ولم تفهمها إلا وفقًا لـ«أصول الفقه البقريِّ» الذي أصَّلت له يهود.

كانت النبوات قد تجمَّع تراثها وتبلور في الظاهرة الإسرائيليَّة، والظاهرة الإسرائيليَّة ظاهرة ألفت التعامل مع تراث النبوَّات تعامل الحمير، فهي تحمل ذلك التراث على ظهورها لا في قلوبها وعقولها، فعقولها وقلوبها غلف، وقد افتخروا بتلك القلوب: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ) (البقرة:88) ومنغلقة أمام ذلك التراث، لا تسمح له أن يخالط بشاشتها، والحمار قد يزهو ببردعته الجديدة الجميلة التي تقي ظهره تأثير ما تحمل، ولكن لا يغيِّر ذلك من حماريَّته شيئًا، فخصائص الحماريَّة ثابتة فيه؛ ولذلك قال الله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (الجمعة:5).

البرَدايم القائم على القوَّة والاستضعاف يُعيد إلى الذاكرة الاستقواء اليهوديَّ بالرومان على قتل السيد المسيح عليه السلام، وهو نموذج يُعين إلى حدٍّ كبير على حسن تحديد العلاقة -اليوم- بين إسرائيل وأمريكا، فرمز الشعب الفلسطينيّ الشيخ أحمد ياسين نصف جسد، وكأنَّ النصف المفقود من جسمه عُوِّض بطاقة عقليَّة وروحيَّة جعلته مخيفًا لجبروت أهل القوة الماديَّة، والسيد المسيح أعزل قابل للاستضعاف، طاقته كلّها جاءت من اصطفاء الله له نبيًّا ورسولًا، ومن تمثيله لتلك النبوة في سلوكه وسيرته وحياته.

معاني الفداء والخلاص تبرز لدى الفلسطينيِّين، وتجعلهم الأقرب إلى مشابهة السيد المسيح، واتباعه في مبدأ الفداء، بل لعلَّ القول «بالعودة الثانية للمسيح» فيه ما يرمز إلى هذه الحالة، فهل يرتقي أبناء القدس وفلسطين إلى هذا المستوى السامي؛ مستوى الفادي؟!

أمَّا وسائل الدجَّال الأساسيَّة -التي تكمن في القدرة على إعطاء صور مغايرة لحقائقها على مستوى: الرب، والجنَّة، والنار، والنعيم، والعقاب، والعذاب… وما إليها- فهي الوسائل التي يستخدمها الإعلام الصهيونيُّ.

والمسيهوديُّون لعبوا هذا الدور بتفوُّق؛ فهم قد غيَّروا وبدَّلوا الوحي، وانحرفوا في معنى الوعد الإلهيِّ، وكذلك العهد الإلهيّ والأمانة وغير ذلك. وقد نبَّه القرآن المجيد إلى قدرتهم على ذلك بتحذير المسلمين المؤمنين من مجاراتهم في لغتهم: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة:104).

«علم الاجتماع» عند ابن خلدون يمثِّل تصورًا لمشروع تغيري عمراني للأمَّة المسلمة، يحتاج إلى إعادة قراءة في ضوء هذا الفهم لطبيعة الأمم في تلقِّي الهداية والأفكار والمعارف البنَّاءة.

إنَّ هناك منطلقًا آخر في فهم ما يجري، وهو منطلق قرآنيٌّ، يعتمد بالدرجة الأولى على فهم وتدبُّر الآيات العشر الأولى من «سورة الإسراء»، في ارتباط تام مع آيات «سورة الحشر»، ثم «سورة الجمعة»، دون غفلة عن «الوحدة البنائيَّة» للقرآن الكريم، التي تستدعي تتبُّع كل ما يتعلق بـ«التجربة الإسرائيليَّة» في كل سور القرآن المجيد للخروج بتصور دقيق عنها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *