Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

أبشع الجرائم … هل من تفسير؟

أ.د/ طه جابر العلواني

كثرت في الآونة الأخيرة أنباء جرائم بشعة جدًا، منها جرائم أبناء ضد آباء، حيث يَقتل الابن أباه أو جده أو جدته أو أمه؛ نتيجة خلافات يغلب أن تكون خلافات مادية تتعلق بمبالغ تافهة، لا قيمة لها يمنعها الأب عن الابن أو أيٍ من هؤلاء الضحايا فيقرر الابن التخلص من الأب أو الأم أو الجد أو الجدة أو الأخ؛ ليستولي على ذلك المبلغ التافه الذي قد ينفقه بعض المقتدرين في حفلة عشاء صغيرة أو على فسحة محلية بسيطة أو على أي شيء آخر.

وكلما تابعنا الأخبار وجدنا نوعًا من الازدياد في أرقام تلك الجرائم ووقوعها في أماكن مختلفة بحيث يصعب أن يدرك أثر البيئة في بشاعة الجريمة بشكل يمكِّن من ضبط النِسب في المؤثرات في الجريمة، فهل للبيئة أثر؟ وما هو؟ وكم هو؟ وهل للحالة المادية للناس أثر؟ وكم هو؟ وما هو؟ وهل للمستوى التعليمي أثر؟ وما هو؟ وكم هو؟ وهل لانخفاض نسبة التدين أو النظر إلى قضايا التطرف والإرهاب والغلو وربطها بالتدين وما نجم عن ذلك من مقاومة أي ارتفاع في نسب التديّن بين الشباب أو انتشار القيم الدينيّة أثر؟ وما هو؟ وكم هو؟ وهل لقسوة الآباء أثر؟ أو أن الابن وهو يتذمر من الحياة أو يتمرد عليها أو يشعر بأنّها قد صارت عبئـًا عليه هل لذلك أثر؟ وما هو؟ وهل لفقدان الدراسات المتعلقة بالوالديَّة وتعريف الآباء بحقوق الأبناء، والأبناء بحقوق الآباء بشكل متوازن أثر؟ وما هو؟ وكم هو؟ وهل كان للفنون الهابطة وما يطلق عليه ثقافة وهو ليس بثقافة بقدر ما هو تدمير للمعاني الثقافية المحترمة أثر في تشجيع هذه الظواهر؟ ربما !!

كل هذه الأمور أو الأسئلة في حاجة إلى خبراء وباحثين ومراكز بحثيَّة اجتماعيَّة، فالمسلمون لم يألفوا أن يجعلوا من قضايا الوالديَّة، وكيف تشكل أسرة مسلمة متماسكة متكافلة تسودها المحبة والوئام والتراحم مقررات دراسيَّة أو مواضيع بحثيَّة، وتركوها للمواعظ العفويَّة والنصائح العابرة فلم تُحدث من الآثار ما ينبغي.

إنَّ الله –تبارك وتعالى- قد قال في سورة البقرة: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا (البقرة:200)، وهذه الآية تنبه إلى أنَّ الابن بشكل فطري يذكر أباه ويحبه، والله –تبارك وتعالى- يطالبنا أن نذكره كما نذكر آباءنا حين نفيض من عرفات، وقد ألف الناس أن يفخروا بآبائهم ويعجبوا بهم ويحرصوا على الانتماء إليهم، بل إنَّ القرآن قد ذكر أنَّ أهم سبب في ضلال عرب الجاهلية هو اتباع الآباء والاعتزاز بما كانوا عليه، وكان هذا هو السبب الأساس في رفضهم الإيمان، كما أنَّ النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- قد عاب عليهم ذلك؛ ولذلك فإنَّ اعتزازهم بآبائهم وعدم رغبتهم بتسفيه ما كانوا عليه، ذلك كله حال بينهم وبين قبول الإسلام، فكيف يتحول الإنسان إلى عدو لأبيه كاره له لدرجة القتل، إنَّ الآية الكريمة قد أشارت إلى أن من الأزواج والآباء من يمكن أن يكون عدوا لزوجه أو لأبيه، وقال: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ (التغابن:14)، لكن هذه العداوة فُسرت بحب الآباء لأبنائهم وأزواجهم الذي قد يحملهم على إرهاق أنفسهم بالكسب من حلال أو حرام أو من أي مصدر كان؛ فيؤدي بهم ذلك إلى النار، لكنني لم أجد لأحد فيما اطلعت عليه تفيسرًا يجعل الابن يحقد على الأب لدرجة الحرق والقتل. وفقهاؤنا حين عالجوا جرائم القتل استبعدوا أن يقتل الأب ابنه وهو جزؤه وبضعة منه وجوزوا ذلك عقلًا والوقوع عادة، وفيما قالوه ألّا يقتل الأب بقتل ابنه حتى لو تعمد ذلك لأنَّه كان سببًا في وجوده فلا ينبغي أن يكون الولد بأي حال من الأحوال سببًا في إعدام أبيه، فما الذي حدث ليجعل هؤلاء الأبناء قتلة لآبائهم وبأشكال في غاية البشاعة والتشفي والشماتة؟! إنها ظاهرة في منتهى الخطورة لا ينبغي أن يُهون من شأنها أي إنسان يهمه مستقبل شعوبنا ومصائرها.

إنَّ ذلك يعني -في أقل صوره سوادًا- أنَّنا نعاني من أزمة أو أزمات في القيم من الصعب جدا تقدير مداها وأبعادها وآثارها المستقبلية، واضطراب في الموازين واختلال في المشاعر والعواطف، ودخول في حالة صراع نفسي مع الذات، وكلَب على الحاجات والمقتنيات وتنافس على مظاهر أكثرها كاذب وأقلها صادق أو معقول، وأنَّ ذلك يعني أننا في حاجة ماسّة إلى إعادة النظر في كل شيء، وإعادة بناء النفس الإنسانيَّة والعقل الإنساني والشخصيَّة الإنسانيَّة في مجتمعاتنا التي أصبحت مهددة في كل شيء من بدايتها حتى النهاية، نعيد بناء الرؤية والتصور والعقيدة ومقوماتها وخاصّة الإيمان بالله ووحدانيته وتعميق معاني صفاته في النفوس والقلوب والمشاعر، وتعليم الأجيال سيرة رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- كما رسم معالمها القرآن الكريم ليخرج بتلك النتيجة العظيمة: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم:4) فإذا علَّمنا هذه الأجيال الطريق القرآني المثالي لحب رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- والتأسي به واتخاذه نموذجًا ومثالًا، وأنعشنا المنظومة الأخلاقيَّة والضمير الفردي الذي بنته العقيدة بكل وسائل التعليم والإعلام والمسجد وما إليها وسائر مفاصل الخطاب الديني فلعل ذلك يفتح لنا نافذة لإعادة بناء الشخصيَّة المسلمة، وإعادة بناء مفاهيم الحياة الدنيا، والدار الآخرة، وما إلى ذلك.

إنَّ جميع أجهزتنا الثقافيَّة والتعليميَّة والإعلاميَّة والدينيَّة ومساجدنا وكنائسنا وسائر مؤسساتنا ومنظماتنا في حاجة إلى أن تدخل في حالة استنفار عام شامل لدراسة هذه الظواهر الشاذة وتحليلها والكشف عن أسباباها الظاهرة والكامنة وتوعية الناس بها ومحاولة تجفيف منابع هذا النوع من الإرهاب الذي أعتبره أخطر أنواع الإرهاب، فأي إرهاب أكثر فتكًا في الأسرة والمجتمع من أن يصبح الأب خائفًا من أبنائه والأبناء خائفين من آبائهم وأمهاتهم، والأمهات والجدات بدلًا من أن ينتظرن العطف والعفو ينتظرن سكاكين تخترق الأحشاء أو تقطع الرقاب في سبيل بضعة جنيهات أو جرامات من الذهب أو ما شاكل، نعوذ بالله.

        ترى هل وقع علينا القول: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (الأنعام:65) .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *