Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

أسبابٌ ثمانيَّة لضرورة أسلمة الصراع العربيّ الصهيونيّ

أ.د/ طه جابر العلواني.

السبب الأول: أنَّ اختيار الحركة الصهيونيَّة لفلسطين لتكون أرض الدولة وقاعدتها ومنطلقها لتجميع يهود العالم كانت أسبابه ومرجحاته كلُّها صهيونيَّة يهوديَّة! والحركة الصهيونيَّة نجحت نجاحًا منقطع النظير في دمج الطموحات القوميَّة الصهيونيَّة بالتاريخ الدينيّ والسياسيّ لبني إسرائيل، وهذا أمرٌ قد فشل الليبراليُّون العرب في إيجاد مثله في المسيحيَّة والإسلام. فقد أخفق الليبراليون العرب فيما نجح فيه الإسرائيليّون الصهاينة من ذلك الدمج، وهي نقطةٌ هامة جدًا تستحق النظر والتحليل وربما نجد في طبيعة الديانة اليهوديَّة بعض العوامل المساعدة على ذلك الدمج، ومنها خصوصيَّة الخطاب الدينيّ اليهوديّ، في حين أنَّ الخطاب الديني الإسلاميّ خطابٌ عالميّ، بدأ بإبراهيم وانتهى بمحمد، وبينهما سائر الأنبياء والمرسلين ومنهم موسى وعيسى -عليهم جميعًا السلام-، وبالتالي فمن الصعب إيجاد موائمةٍ بين الإسلام والقوميَّة العربيَّة أو الكرديَّة أو سواهما، خلافًا لليهوديَّة والصهيونيَّة.

السبب الثاني: أنَّنا حين نقول بأسلمة الصراع نعني بذلك أن يكون للصراع قاعدة وإدارة: قاعدةٌ يرتكز إليها المعنيون بهذا الصراع -كلهم- بحسب مستوى علاقاتهم به، وإدارةٌ كفوءةٌ قادرةٌ على تمثيل سائر أطراف الصراع من الجانب العربيّ الإسلاميّ، وإدارته بنفس الكفاءة التي يدير بها الطرف الآخر الصراع إن لم تكن تفوقه. فلا شيء يمنع أن يشعر العربيّ بأنَّ هذا الصراع بالنسبة له صراع بقاءٍ وحياةٍ أو موت، وأن يشعر المسلم خارج إطار ما عُرف بمنطقة التجوال الإبراهيمي سابقًا والعالم العربي حاليًا، والذي يريد بعضٌ أن يجعل منه شرقًا أوسطًا كبيرًا، أن تكون بالنسبة لهؤلاء قضيَّة دفاع عن عمق استراتيجيّ ومصالح اقتصاديَّة وسياسيَّة واجتماعيَّة وما إلى ذلك. ولا يضير العرب أن يكون والأتراك والإيرانيُّون في هذا الموقع!!.

السبب الثالث: أنَّ أسلمة هذا النوع من الصراع لها فوائد اقتصاديَّة وسياسيَّة، وفوائد تعود على إدارة الصراع وكسب التأييد له، في حين أنَّنا لا نلحظ وجود أيَّة خسائر تعود على هذا الصراع من الأسلمة اللهم إلا أن يُمنع استبداد القوى العلمانيَّة والليبراليَّة العربيَّة في إدارة الصراع، وفقًا لمنطلقات ثبت فشلها خلال ما يزيد عن ستين عامًا، وهي المنطلقات التي حرستها اتفاقات أوسلو وما تلاها.

السبب الرابع: لا أدري ما الذي يُزعج أيّ ليبراليّ عربيّ من هتاف شباب لم يجدوا في حاضرهم الكثير مما يسعدهم، ويمكنهم أن يفخروا به، فيرددون عبارات في مناسباتٍ معينة؛ للرد على عنجهيَّة وغطرسة الجندي الصهيوني، الذي يهتف “محمد مات مات، وما خلّف إلا بنات” فإذا رد عليه شابٌ عربي بـ”خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود” فما المزعج في هذا؟ ولِـمَ تتحول إلى هتافٍ يخيف الليبراليّ العربي أكثر من إزعاجه لليهوديّ.

السبب الخامس: أنَّ الأسلمة سوف تعود على الصراع العربيّ الإسرائيليّ بعمقٍ استراتيجيّ وتأييدٍ هائل يجعلها قضية ثلث البشريَّة اليوم بشكلٍ مباشر، ولست أدري أيّ منطقٍ يسمح لمن يرى في نفسه قدرة على المشاركة في إدارة الصراع ولو بالرأي، وأن يرفض تأييدًا مثل هذا لمجرد خوفه من الاتهام بالإسلاميَّة والأسلمة أو أن يعرف الآخرون أنَّ له دينًا ينتمي إليه؟!.

السبب السادس: أنَّه لا أحد يملك أن يحول بين مسلمٍ تركيّ أو إيرانيّ أو هنديّ يجد في تراثه الإسلاميّ ما يؤكد أنَّه اتجه إلى بيت المقدس باعتبارها قبلةً لصلاته شهورًا عديدة؛ ليبيّن للبشريَّة وجود الأرضيَّة المشتركة بينه وبين اليهود والنصارى في تعظيم بيت المقدس وحسن استقباله، وإبراهيم -عليه السلام- ومحمد -صلى الله عليه وآله وسلّم- هما الرسولان اللذان حملا رسالة الإسلام، وبنيا ملّته بشكلٍ بعيدٍ عن العنصريَّة الدينيَّة أو الطائفيَّة أو ما إليها؛ ولذلك أكّد الله -تبارك وتعالى- أنَّه ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًّا قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (آل عمران:67) فالإسلام لا يرتبط بعنصر ولا بقوميَّة ولا بمحيطٍ جغرافيّ بل هو قيمٌ مشتركة، الجانب الإنسانيّ فيها يوازي جانب النص فهو الخطاب الذي اعتمد النص والاجتهاد الإنسانيّ معًا مصدرين لبناء الرؤية والنموذج والمنهج ونظم الحياة.

السبب السابع: أنَّ حلم التعايش مع يهود هو من أحلام اليقظة، ومَثَل الليبراليّين العرب وأحباءهم من الصهاينة الذين لا يبادلونهم ذلك الحب؛ مثل قول القائل:

 بكلٍ تداوينا فلم يشفِ ما بنا *** على أنَّ قربَ الدار خيرٌ من البُعدِ

على أنَّ قربَ الدار ليس بنافعٍ *** إذا كانَ مَن تهواهُ ليس بذي ودِّ

فمَن يهواه الليبراليُّون العرب وما يهوونه لا يودّه الليبراليُّون الصهاينة؛ ولذلك فإنَّ الليبرالييّن العرب أعموا أبصارهم وأصموا آذانهم وألغوا عقولهم، رغم تصريحات نتنياهو الدائمة المستمرة بأنَّ إسرائيل ينبغي أن تكون دولة يهوديَّة خالصة ليهود لا يشاركهم فيها أحد، والليبراليُّون الذين يريدون إبعاد الإسلام ويسوؤهم أن يشموا رائحته كأنَّـهم يتحدّثون بلغةٍ لا يفهمها طرف الصراع الآخر، الذي يصر على يهوديّته ويصر على تديين القضيَّة وتديين الصراع.

السبب الثامن: أنَّ جميع القوى الخيّرة المتضامنة مع هذه القضيَّة، تضامنت مع قضايا السلام في العراق وبوسنيه وكوسوفو وأفغانستان وغيرها، فالتضامن هنا لم يأت بحثًا عن أيديولوجيا معينة، ولم يكن مكسبًا قوميًا عربيًّا كما يحاول بعض الليبرالييّن العرب أن يوحوا بذلك، بل جاء بناءً على “قواعد تفكير مشتركة إنسانيَّة” ينميها الإسلام ولا يقلّل منها تتعلق “بالعدل والحريَّة والمساواة وحقوق الإنسان، وحريّات التعبير ونصرة المظلوم وما إلى ذلك”.

وهذه القضايا هي مشتركاتٌ إنسانيَّة لن يفقدها الصراع العربيّ الإسرائيليّ إذا أسلم العرب صراعهم مقابل تهويد الصهاينة صراعهم، وما من دليل واحد يدل على ذلك. فقليلاً من التعقّل يا رفاقنا الليبرالييّن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *