Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

مفهوم الجمال

أ. د. طه العلواني

«الجمال»: مفهوم قرآنيّ يشير إلى الحسن التام أو الكبير. والجمال نوعان: النوع الأول: جمال يختص الإنسان في نفسه أو بدنه أو فعله. والنوع الثاني: مَا يوصل إلى غيره، فهو يضفي جمالاً من خارج، ويضفي على النفس بهجة وانبساطًا: ]وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ[ (النحل:6)، وتوصف بعض سلوكيّات الإنسان بالجمال، ومنها الصبر: ]فَصَبْرٌ جَمِيلٌ[ (يوسف:18، 83)، ]فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا[ (المعارج:5). والجمال مثير للبهجة، جالب لها، والبهجة حسن الكون وجماله، وما يستدعيه من انبساط النفس وحدوث السرور لها؛ قال عز وجل: ]حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ[ (النمل:60)، وقال: ]وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ[ (ق:7).

والقيم الفلسفيّة ثلاثة: الحق والخير والجمال. وقد عني علماء أصول الفقه بدراسة «الحسن والقبح العقليّين» وأكثروا النقاش في مصادر الحكم بالحسن أو بالقبح على شيء. ولم يعن الفلاسفة والأصوليّون ولا سواهم بوضع ضوابط دقيقة للجمال وللقبح، وللحسن وغير الحسن؛ لأنّهم أقرب إلى الأمور الوجدانيّة التي يصعب أو يتعذر وضعها بين حواصر الضوابط، وإن كانت هناك أمور مشتركة لا يختلف البشر على اعتبارها جميلة، ومضادات ونواقض لها لا يختلفون على استقباحها، لكن نسبة المطلقات في الجمال والقبح محدودة تكاد تنحصر في مجالات الأفعال والسلوك والتصرفات، أمّا الأشكال فتختلف من ثقافة لأخرى ومن عرف لآخر، وقد تختلف باختلاف البيئات والشعوب والأجواء، وفي آداب الأمم والشعوب المنثورة والمنظومة وأمثالها وحكمها مَا يؤيدون مَا ذكرنا.

 وبعض الشعوب تقدم قيمة الجمال على قيم أخرى، وبعضها تؤخرها، وفي الحديث: «تنكح المرأة لأربع؛ لمالها، وحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»، فهنا أخذ الجمال بالنسبة للمرأة المرتبة الثالثة، وعند بعض الشعوب يتصدر المرتبة الأولى. وجمال المرأة نفسه يأخذ أشكالاً مختلفة، فهناك شعوب ترى جمال لون المرأة في البياض، في حين ترى شعوب أخرى ذلك في السواد. ومن حيث سن المرأة؛ تعتبر بعض الشعوب صغر سن المرأة مظهرًا من أهم مظاهر جمالها، وفي حين يرى آخرون كبرها يحمل جلال الخبرة وجمال التجربة، حيث يقول شاعرهم:

تعشّقتها شمطاء شاب وليدها * * * وللناس فيما يعشقون مذاهب

وكذالكحببت لحبّها سواد الكلاب

ويقول عنترة في رائعة من روائعه:

ولقد ذكرتك والرماح نواهل * * * منّي وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السيوف لأنها * * * لمعت كبارق ثغرك المتبسّم

وأحيانًا يكون جمال الصوت سببًا للاستحسان، فالحب:

يا قومي أذني لبعض الحيّ عاشقة * * * والأذن تعشق قبل العين أحيانًا

وإذا كان الإحساس «بالجمال» نسبيًّا وجدانيًّا، يختلف باختلاف الشعوب والأعراف فقد يختلف -أيضًا- من فرد إلى آخر، وبالتالي فإذا أراد أحد وصف امرأة بالجمال أو القبح فليضف عبارة: «إنّها جميلة بالنّسبة لي» أو «قبيحة بالنّسبة لي»، ولا يطلق ولا يعمّم؛ وقديمًا قيل:

لكل بائرة في الحيّ لاقطة * * * وكل كاسدة يومًا لها سوق

اللّهم جمّلنا بالستر، وارحمنا بالعفو، وزيّنّا بالعافية، وأنر أبصارنا بصائرنا بالقرآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *