أ.د/ طه جابر العلواني
يتعلق الفكر التربويُّ -في نظرنا المتواضع- بتكوين عقليَّة ونفسيَّة إنسانيَّة، يُراد لها أن تؤدي دورًا محدَّدًا في الحياة، وفقًا لنموذجٍ لشخصيَّة إنسانيَّة ذات مواصفات خاصة، والقرآن الكريم رسم معالم الشخصيَّة المسلمة بشكل دقيق، فأوضح نشأة الإنسان وأسباب إيجاده وخلقه، والدور الَّذي أوكل إليه في هذه الحياة، والوسائل التي يمكن أن يتوصل بها لتحقيق هذا الدور والقيام به، فتصوَّر القرآن الكريم للإنسان حقيقة ووجودًا ودورًا وطبيعةً وطاقاتٍ وقوى وعي وشبكة علاقات متنوعة، كل ذلك نجده مبثوثًا في آيات الكتاب الكريم التي تناولت الإنسان، وهو جزء من «عالم الذرِّ» حيث أخذ الله (تبارك وتعالى) العهد عليه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إنّما أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ (الأعراف:72-73) ثم نقله من «عالم الذر» إلى «عالم الوجود» والخلق الكامل: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ (النساء:1) ثم أخذ بيده إلى عالم الاستخلاف: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (البقرة:30) وبعد إيكال مهمة الاستخلاف إليه ائتمنه على الأمانة، أمانة حريَّة الاختيار والتصرف: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا﴾ (الأحزاب:72)، وبعد منحه ذلك الحق -حق الحريَّة- وضعه في دائرة الابتلاء والاختبار: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا﴾ (الملك:2) في المجالات السابقة؛ مجال الوفاء بالعهد، وصيانة أمانة الحريَّة، والقيام بمهمة الاستخلاف، ثم تُطوى صفحة هذا الدور لينتقل الإنسان بالموت إلى مرحلة أخرى هِيَ مرحلة الجزاء، والحصول على الثواب أو ملاقاة العقاب: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ (السجدة:11)، ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ (الإسراء:13-14).
وفي إطار الجزاء تؤول البشريَّة إلى فريقين: فريق في الجنَّة وفريق في السعير، وكل مَا جاء في كتاب الله -تبارك وتعالى- وسنة وسيرة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- جعل محوره هذا الإنسان، ودوره، والأمانة التي اءتمن عليها، ليتحقق بمقاصد ثلاثة حاكمة، هي: التوحيد والتزكية والعمران، ويفترض أن توجَّه جميع الجهود التربويَّة -في المحيط الإسلاميِّ- نحو إيجاد هذه الشخصيَّة، بعقليَّتها ونفسيَّتها، وسائر خصالها وصفاتها، وكان ذلك الهدف -هدف إيجاد الشخصيَّة المسلمة الكاملة- محور اهتمام الأمَّة بكل فرقها وطوائفها -بعد الفرقة- ومحور اهتمام الأمَّة بمجموعها قبل ذلك، وقد سدَّدت وقاربت ونجحت -في أحيان كثيرة- في إيجاد هذه الشخصيَّة، وأخفقت في بعض الأحيان، ولكن لم يغب عن العقل المسلم أن قطب الرحى هو: إيجاد تلك الشخصيَّة المسلمة المتوازنة، التي يمكن أن تكون عضوًا عاملا صالحًا في الأمَّة الشاهدة التي أراد الباري -سبحانه وتعالى- لها أن تقوم مقام النبوة بعد ختمها: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة:143).
لقراءة البحث كاملا يرجى الضغط على الرابط التالي: