لم يعرف التراث الإسلامي الدراسات السياسية المتخصصة وإنما ناقشها الفقه الإسلامي ضمن مباحثه وتناول بعضها العلماء في إطار الأحكام السلطانية. وعلى ضوء ذلك يمكن القول إن مفهوم السياسة في العقل المسلم هي تدبير أمور الخلق وفقًا لقيم وموازين شرع الحق سبحانه وتعالى تحقيقًا لغاية الحق من الخلق وقيامًا بأمانة الاستخلاف وفريضة العمران وتمكينًا للأمة من مقام الشهادة والاتّصاف بالوسطيّة والخيريَّة”.
لعل أهم التحديات التي تواجه الباحث في مجالات العلوم السياسية المختلفة يمكن إرجاعها إلى أمرين أساسيين أولهما صعوبة الفصل بين الجانب السياسيّ والجوانب الأخرى من قضايا التناول الإسلامي وثانيهما أن ذلك الفراغ جعل المرجع في الدراسات السياسيّة هو المنظور السياسيّ الغربيّ الذي يقوم على جملة من المفاهيم التي تقف حائلاً دون فهم المنظور الإسلامي.
قد تكون البداية الصحيحة لعالم السياسة المسلم توجيه العناية إلى نوع من الدراسات المقارنة بين الحضارة الإسلاميّة والحضارة المعاصرة، وبناء منهج نقديّ يقوم على دراسة آثار استحضار عالم السياسة لبعض الأمور منها توحيد الله تعالى توحيدًا مطلقًا الحاكميِّة المطلقة لله تعالى، وتفرد الوحي الإلهي بإنشاء التشريع. الوحي والوجود مصدرا المعرفة.العقل والحواس والتجارب وسائل معرفة وإدراك ونقد وتحليل واجتهاد وتجديد.
الخطوة الثانية -التي على عالم السياسة المسلم أن يخطوها أن يقوم بتقديم تصور كامل للممارسة السياسية للإنسان المسلم في عصرنا هذا كيف يمكن أن تكون، وكيفية ربطها بواجباته الشرعيّة ؟
هناك محاولات جادة قامت في القرن الماضي وفي هذا القرن لإقامة دول إسلامية في أجزاء مختلفة من الوطن الإسلامي. انتهى كثير منها بالفشل لأسباب كثيرة، منها: عجز الفكر السياسي الإسلامي المعاصر عن تلبية الحاجات الفكرية الأساسية لدولة إسلامية معاصرة، وعدم قدرة العقل المسلم المعاصر على تقديم فقه سياسي إسلامي معاصر يصلح لأن تقام على أساس متين منه دولةٌ إسلامية معاصرة.
لقد ثبتت بكل الدلائل قدرة الحركات الإسلامية على تحريك الأمة وإثارة روح الجهاد لدى الجماهير وقد ثبت كذلك عجز العقل المسلم عن استثمار الفوز وثورات بلاد المسلمين جلها شهود على ذلك، وعلماء السياسة وفقاؤها هم الأقدر على حل هذه المعضلة.
إن الفقه السياسي الذي تشتد حاجة الأمة إلى بنائه ينبغي أن يكون فقهًا يستلهم غايات القرآن ومقاصده ليبني فكرًا سياسيًّا كاملا قادرًا على التعامل مع الواقع المعاصر وتحقيق غايات الإسلام.
أما الأدلة التي لابد للعالم المسلم من معرفتها فهي الكتاب الكريم والمصلحة المرسلة، والاستصحاب والبراءة والعادات والأعراف من بعض الوجوه، والاستقراء، والاستدلال، والاستحسان، وسد الذرائع، والأخذ بالأخف. والنظر فيما عدا الأدلة الأربعة الأولى يوجد لدى العالم المسلم القناعة الكافية بأن للعقل المسلم مجالاً واسعًا للنظر والاستفادة من كل ما يصلح مجالاً للاستفادة في بناء هذا الفقه السياسي المطلوب.
للاطلاع على الورقة كاملة يرجى الضغط على الرابط التالي: