Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الله

أ.د/ طه جابر العلواني

هو الذات العليا الدالة على الرب المعبود.

وحينما نقول: (الحمد لله) في أول سورة الفاتحة فهي شكر لله على ما فعل لنا. ذلك أننا لا نستطيع أن نقدم الشكر لله إلا إذا استخدمنا لفظ الجلالة (الله). الجامع لكل صفات الله (تعالى) لأننا نحمده على كل صفاته ورحمته بنا، فلا نقول باسم القهار، وباسم الوهاب، وباسم الكريم، وباسم الرحمن، بل نقول الحمد لله على كمال صفاته، فيشمل الحمد كمال الصفات كلها.

وورد لفظ الجلالة “الله” (980) مرة في القرآن الكريم، وورود هذا اللفظ يتخلل بدايات السور، وخواتمها وثناياها وهو الاسم العظيم لخالق الخلق جل شأنه إذ تتفرع عنه أسماؤه، وهو الاسم الكامل الجامع للأسماء والصفات الدالة على الذات، ولعظمة هذا الاسم يعد حلقة مهمة وأساسيّة في عمود القرآن الكريم، وهو توحيد الله الواحد الأحد الَّذِي تتفرع عنه باقي الأعمدة الفرعيّة في القرآن المجيد فما تشتمل عليه هذه الأعمدة من الأمثال، والآيات، والحجج، والبراهين التي أوحى الله (تعالى) بها لخاتم الرسل صلى الله عليه وآله وسلم كل ذلك من أجل التعرف، والمعرفة الحق للذات الواحدة الله (سبحانه وتعالى)

كما أنّ الحكمة في بعث الأنبياء، والرسل هِيَ تيسير سبل الهداية لمعرفة الذات الإلهيّة «الله» بما أيدهم الله (تبارك و(تعالى) به من البيان، قال (تعالى): ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ (طه:124)، فالمؤمن هُوَ الَّذِي يأخذ بأسباب الهداية في معرفة الذات الواحدة «الله» بالتسليم لها في الظاهر، والباطن، والإقرار نتيجته الحمد له في الدنيا جل شأنه على مَا أنعم من النعم، والحمد له في الآخرة على جنّة الرضوان. فمن أشرك به، وأنكر حمده في الدنيا فلا حمد له عنده في الآخرة، وللصلة القائمة بين الحمد والذات الواحدة جاء القرآن مفتتحًا بقوله (تعالى): «الحمد لله›› الواحد فقط وليس لغيره، فمن أشركه في الحمد ضاع منه التوحيد له.

وبالتمعن في آيات القرآن المجيد نجد هذا اللفظ «الله» هُوَ الناظم للأوامر والنواهي، ولما قص، وأخبر به، ولما أنذر، وحذر منه، ولبديع الخلق، ولما له وليس لغيره ولكل مَا يدل على عظيم سلطانه في الدنيا والآخرة. وبهذا فهذا اللفظ «الله» لا يجوز أن يطلق، ولا يليق أن يقال إلاّ في حقّه ومن جعله لغيره وظنّ بذلك أنّه قد آمن فقد سقط في الشرك، والقول بتعدد الإله، وبهذا يفسد حاله في الأولى، والآخرة، ففي الدنيا بكونه عاش الضلالة، والجهل بحقيقة الحقائق، وفي الآخرة يحق عليه العذاب. ولفظ الجلالة: “الله” يستلزم بطبيعته التوحيد .

وذكر ابن زروق في مختصر المقصد الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى في معنى اسم لله (تعالى) الله: زيادة اليقين، وتيسير المقاصد المحمودة في الذوات والصفات والأفعال.

وذهب البعض في اشتقاق لفظ الجلالة الله على أربعة أوجه:

الأول: أصله الإله ثم حذفت الهمزة تخفيفا فاجتمعت لامان، فأدغمت الأولى في الثانية فقيل: “الله”، فإله فِعال بمعنى مفعول كأنه مألوه أي معبود مستحق للعبادة، يعبده الخلق ويؤلهونه.

الثاني: قال الخليل ابن أحمد: أصل إله من ولاه من الوله والتحير، وقد أبدلت الواو همزة لانكسارها، فقيل إله ثم أدخلت عليه الألف واللام وحذفت الهمزة فقيل “الله”. وكأن معناه في هذا المذهب أن يكون الوله من العباد إليه، والتحير.

الثالث: ذهب سيبويه أنه جائز أن يكون أصله “لاه” على وزن فَعَل ثم دخلت عليه الألف واللام للتعريف، فقيل: “الله”.

الرابع: وذهب أبي عثمان المازني أن قولنا “الله” إنما هو اسم هكذا موضوع لله عز وجل وليس أصله “إله” ولا “ولاه” ولا “لاه”. قال: والدليل على ذلك إني أرى لقولي “الله” مزية على “إله” وأني أعقل به ما لا أعقل بقوله “إله” .

فالله فهو اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإلهية المنعوت بنعوت الربوبية المتفرد بالوجود الحقيقي فإن كل موجود سواه غير مستحق الوجود بذاته وإنما استفاد الوجود منه فهو من حيث ذاته هالك ومن الجهة التي تليه موجود فكل موجود هالك إلا وجهه والأشبه أنه جار في الدلالة على هذا المعنى مجرى أسماء الأعلام وكل ما ذكر في اشتقاقه وتعريفه تعسف وتكلف.

فائدة:

اعلم أنَّ هذا الاسم أعظم أسماء الله (عز و جل) التسعة والتسعين؛ لأنه دال على الذات الجامعة لصفات الإلهية كلها حتى لا يشذ منها شيء وسائر الأسماء لا يدل آحادها إلا على آحاد المعاني من علم أو قدرة أو فعل أو غيره ولأنه أخص الأسماء إذ لا يطلقه أحد على غيره لا حقيقة ولا مجازا وسائر الأسماء قد يسمى به غيره كالقادر والعليم والرحيم وغيره فلهذين الوجهين يشبه أن يكون هذا الاسم أعظم هذه الأسماء.

دقيقة:

معاني سائر الأسماء يتصور أن يتصف العبد بشيء منها حتى ينطلق عليه الاسم: كالرحيم والعليم والحليم والصبور والشكور وغيره وإن كان إطلاق الاسم عليه على وجه آخر يباين إطلاقه على الله (عز و جل)، وأما معنى هذا الاسم فخاص خصوصا لا يتصور فيه مشاركة لا بالمجاز ولا بالحقيقة ولأجل هذا الخصوص يوصف سائر الأسماء بأنها اسم الله (عز و جل) ويعرف بالإضافة إليه فيقال الصبور والشكور والملك والجبار من أسماء الله (عز و جل) ولا يقال الله من أسماء الشكور والصبور؛ لأن ذلك من حيث هو أدل على كنه المعاني الإلهية وأخص بها فكان أشهر وأظهر فاستغني عن التعريف بغيره وعرف غيره بالإضافة إليه

تنبيه:

ينبغي أن يكون حظ العبد من هذا الاسم التأله وأعني به أن يكون مستغرق القلب والهمة بالله (عز و جل) لا يرى غيره ولا يلتفت إلى سواه ولا يرجو ولا يخاف إلا إياه وكيف لا يكون كذلك وقد فهم من هذا الاسم أنه الموجود الحقيقي الحق وكل ما سواه فان وهالك وباطل إلا به فيرى أولا نفسه أول هالك وباطل كما رآه رسول الله حيث قال أصدق بيت قالته العرب قول لبيد:

ألا كل شيء ما خلا الله باطل … وكل نعيم لا محالة زائل .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *