Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

مفهوم الاستعانة

أ.د/ طه جابر العلواني

الحمد لله رب العالمين، نستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئآت أعمالنا، ونصلي ونسلم على رسول الله ومن اتبعه واهتدى بهديه إلى يوم لقاه.

ثم أمَّا بعد:

قصّ الله (تبارك وتعالى) علينا في القرآن الكريم من خلال سورة الكهف قصة ذي القرنين الَّذِي تتبع الأسباب، وبذلك مكّنه الله (تبارك وتعالى) إلى مَا يصبو إليه.

وفي رحلته عند وصوله بين السدّين وجد أناسًا قليلي الفقه؛ أي: فقه الحياة، إذ اشتكى هؤلاء القوم لذي القرنين من قوم آخرين مثلهم يفسدون في الأرض، وهم يأجوج ومأجوج وكان طلبهم أن يجعل بينهم وبين أولئك القوم المفسدين سدًّا يفصل بينهم. فوافق ذو القرنين على ذلك وكان طلبه منهم أن يعينوه بقوة، قال (تعالى): ﴿قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (الكهف:95)، فلفظ القوة في الآية تابعٌ لطلب الإعانة، إذ الإعانة تتحقق بالقوة؛ سواء أكانت هِيَ قوة ماديَّة أو معنويَّة؛ أي: بالصبر على التحمل للمشاق وما شابه ذلك. كما أنَّ هذه الإعانة يمكن أن تصدر من الفرد أو من جماعة من الناس وكأقوال المشركين تكذيبًا منهم للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال (تعالى): ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ (الفرقان:4)، وأمرنا (سبحانه وتعالى) أن نستعين بالصبر والصلاة، قال (تعالى): ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (البقرة:45)، وأمر موسى (عليه السلام) قومه بالاستعانة بالله (تبارك وتعالى) والصبر، قال (جل شأنه): ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (الأعراف:128)، وكان قول يعقوب (عليه السلام) عندما أساء أبناؤه لأخيهم يوسف (عليه السلام) قوله (تعالى): ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (يوسف:18)، وجاء على لسان الرسول الكريم مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله وسلَّم): ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة:153)، بالتمعن في هذه الآيات السالفة الذكر، ندرك أنَّ الاستعانة مقرونة بالصبر، والله (سبحانه وتعالى) مع الصابرين لأنَّ أسباب الصبر والعون بيده، وهو خير معين وهو الرزّاق ذو القوة المتين، فمن طلب الاستعانة من غيره فإنَّه لا عون ولا استعانة يمكن الحصول عليها من غيره (جل شأنه)، وهذا هُوَ المراد من قوله (تعالى): ﴿وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة:5)، هذا اللفظ بهذه الصيغة -نستعين- لم يرد في القرآن الكريم إلا مرةً واحدة وهي في سورة الفاتحة، كما أنَّ العون والاستعانة بالله (تبارك وتعالى) لا تكون إلّا في البر والتقوى أمَّا الآثمون المعتدون فلا عون لهم من الله، وهذا مَا أوصانا الله (تبارك وتعالى) به، قال (تعالى): ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة2).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *