Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

مفهوم الهداية

أ.د/ طه جابر العلواني

الحمد لله رب العالمين، نستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئآت أعمالنا، ونصلي ونسلم على رسول الله ومن اتبعه واهتدى بهديه إلى يوم لقاه.

ثم أمَّا بعد:

من آيات الله (تبارك وتعالى) في خلقه أنَّه جعل لنا النجوم نهتدي بها إلى الطريق الَّذِي نقصده، ونحن نسير ليلًا في البر أو البحر، فالنجوم تساعدنا على أن لا نضل الطريق أو نخطئ في الاتجاه، قال (جل شأنه): ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (الأنعام:97)، فهذه الآية ختمت بقوله (جل شأنه) قد فصّلنا الآيات لقوم يعلمون، فالذين يعلمون آياته ويتحلّون بالعلم بدل الجهل فسيعلمون أنَّه الرب الواحد الأحد، أمَّا الذين يجهلون آياته في الآفاق أو يجحدونها فلا شك أنَّهم في ضلال مبين.

إنَّ الله (جل شأنه) لم يترك الإنسان لوحده في هذا الكون؛ بل يسّر له أسباب وسبل الهداية لمعرفة الخالق. فسبل هذه الهداية لا يخلو منها أيّ زمان من الأزمنة وهذا مَا أشرنا له من قبل، فالحاملون لهذه الهداية هم الأنبياء والرسل. فالذين أخذوا بسبل هدايتهم فلا يضلون الطريق لمعرفة الله (تبارك وتعالى) والذين أعرضوا عن ذلك خسروا الدنيا والآخرة، وهذا مَا ذكّرنا به القرآن الكريم، قال (تعالى): ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (طه:123)، وقال (تعالى): ﴿قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة:38).

وتماشيًا مع هذه الغاية فالقرآن الكريم يسّر سبل الهداية إلى أحسن الأمور وأقومها، قال (تعالى): ﴿إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (الإسراء:9).

فالقرآن الكريم نهتدي به كما نهتدي بالنجم في ظلمات البر والبحر، إنَّ لفظ الهداية في القرآن الكريم يقابل لفظ الضلالة. فالهداية تقتضي بلوغ الهدف المقصود والوصول إليه، أمَّا الضلالة فهي عكس ذلك، قال (تعالى): ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ (الأنعام:140).

قال (جل شأنه): ﴿قُلْ يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (يونس:108).

قال (تعالى): ﴿مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا (الإسراء:15).

قال (تعالى): ﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (طه:79)، وقال (تعالى): ﴿فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (الروم:29)، وقال: ﴿مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا (الكهف:17)، وقال أيضًا: ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (القصص:50).

فمن خلال هذه الآيات وما يماثلها في القرآن الكريم يتّضح أنَّ لفظ الهداية يقابله لفظ الضلالة.

إذا كان الله (جل شأنه) قد أنعم علينا بتيسير الهداية في الدنيا إليه (سبحانه وتعالى) فإنَّ الهداية منه وإليه. فبه نهتدي بما أوحى إلينا من الآيات في كتابه العزيز، وبالنظر كما أمرنا في بديع خلقه وما يضم من الآيات الدالة على ربوبيَّته ووحدانيَّته. فمن اهتدي بغيره ضل الطريق إليه، فلا هداية إلّا منه وإليه، وهذا هُوَ مضمون قوله (تعالى): ﴿اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (الفاتحة:6)، فتتبعًا منَّا للفظ الهداية وما يرتبط به من ألفاظ في القرآن الكريم تبيّن أنَّه يعود على الله (تبارك وتعالى) وإليه يرجع في هداية بدون توفيقه.

إنَّ “الهدى” هدى الله، بل إنَّ “الهدى” الحقيقيّ ينحصر فيه؛ ولأنَّ من يهدي الله فلا مضل له؛ لذلك فإنَّنا نستهدي به (جل شأنه) ومنه –وحده- نطلب الهداية. ومن يهدي الله فلا مضل له، وهداية الله لا يمكن أن يزيلها أو يوقف تأثيرها في المهتدين جدل المجادلين، ولا يخشى من هداه الله وثبته على الهداية أن تزل قدمه الثابتة بتلك الهداية بعد ثبوتها. وهداية الله تمنح الأمن من اجتيال الشياطين، وإضلال الضالّين. والأنبياء والمرسلون منَّ الله عليهم بهدايته: ﴿ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ …﴾ (الأنعام:88)، ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ …﴾ (الأنعام:90).

إنَّ الهداية مسلك نبيل إلى غاية عظيمة وهي رضى الله (تبارك وتعالى) في الدنيا والآخرة فالفوز برضى الله ورضوانه وبجنة الرضوان، كل ذلك نتيجة لطريق الهداية، قال (تعالى): ﴿وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (المائدة:119)، وقال (تعالى): ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (المجادلة:22)، وقال أيضًا: ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (آل عمران:15).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *