أ.د/ طه جابر العلواني
الحمد لله رب العالمين، نستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئآت أعمالنا، ونصلي ونسلم على رسول الله ومن اتبعه واهتدى بهديه إلى يوم لقاه.
أشرنا فيما قبل أنَّ الهداية هِيَ التمسك بما جاء من عند الله (تبارك وتعالى) على يد رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أي: مَا دل عليه القرآن العظيم، كما أنَّ النظر لآيات الله (تبارك وتعالى) في الآفاق تدلنا على ذلك، والهداية إلى الصراط المستقيم مسلك إلى نعمة الله (تبارك وتعالى) ورضاه في الدنيا والآخرة؛ أي: الذين أنعم الله (تبارك وتعالى) عليهم، انظر الآيات: ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ (آل عمران:15)، ﴿قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (المائدة:119)، ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (التوبة:100)، ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (المجادلة:22)، ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾ (الحاقة:21). كما بيَّنا أنَّ لفظ الهداية يقابله لفظ الضلال والضلالة، فمن لم يهتدِ إلى الصراط المستقيم وهو مَا دل عليه القرآن المجيد فقد ضلّ الطريق، وضيَّع سبل الهداية، فهو على الاعوجاج بدل الاستقامة، قال (تعالى): ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (آل عمران:99).
وبالتالي جزاء له وعاقبة أعماله سيلحقه غضب الله (تبارك وتعالى) في الدنيا، وعذاب جهنم في الآخر؛ غضبًا من الله (تبارك وتعالى) عليه، ومن كل هذا يتضح أنَّ الرضى والغضب، هُوَ لله جزاء منه (جل شأنه) وهو أعلم بذلك، أمَّا طريق الهداية أو الضلال فهما مسلكان بيد الإنسان في الحياة الدنيا، فإمَّا مؤمنًا حامدًا شاكرًا مهتديًّا، وإمَّا ناكرًا لنعمه (سبحانه) جاحدًا ضالًا مضلًا، فالذين غضب الله (تبارك وتعالى) عليهم هم الضالين عن الصراط المستقيم بعدم أخذهم سبل الهداية، وهم المنافقين والمشركين والكافرين بما فيهم أهل الكتاب، أمَّا المهتدين إلى الصراط المستقيم فهم الذين أنعم الله (تبارك وتعالى) عليهم بنعمة الهداية والإيمان والحمد له في الدنيا والآخرة. ولهذا فلفظ الضالين تفيد كل من أعرض عن الهداية التي يدلّ عليها القرآن –أي: الصراط المستقيم- وهؤلاء سيلحقهم غضب الله (تبارك وتعالى)، أمَّا المهتدين فهم المنعم عليهم في الدنيا والآخرة.