Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

مفهوم الرحمة

أ.د/ طه جابر العلواني

الحمد لله رب العالمين، نستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئآت أعمالنا، ونصلي ونسلم على رسول الله ومن اتبعه واهتدى بهديه إلى يوم لقاه.

 يشكِّل مفهوم الرحمة وما يرتبط به من مفاهيم، حلقة هامَّة جدًا في القرآن الكريم، فقد افتتحت به جميع السور إلا واحدة وهي سورة التوبة، فصفة الرحمة صفة من صفات الله (تبارك وتعالى) وهي مأخوذة من اسمه الرحمن والرحيم، فهو أرحم الراحمين من عباده، قال (تعالى): ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (المؤمنون:109)، كما أنَّه (جل شأنه) كتب هذا الخلق وهذه الصفة (الرحمة) على نفسه وقال (تعالى): ﴿قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (الأنعام:12).

وقال (تعالى): ﴿وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (الأنعام:54)، وقال (تعالى): ﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ* إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (الأنعام:133-134).

كما أنَّ رحمة الله (تبارك وتعالى) وسعت كل شيء، قال (تعالى): ﴿فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (الأنعام:147)، وقال (تعالى) أيضًا: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (الأنعام:156).

إنَّ رحمة الله (تبارك وتعالى) تسع عالم الدنيا والآخرة، فالعالمين التي الله ربها تشملها رحمته (جل شأنه) وربما هذه هِيَ الحكمة في ورود جملة (الرحمن الرحيم) بعد جملة (رب العالين) فكل مَا خلقه الله (تبارك وتعالى) في هذا الكون وكل سكون أو حركة أثر من آثار رحمة الله (تبارك وتعالى) فالرحمة وخلق الرحمة غاية الوجود كله.

قال (تعالى): ﴿وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (النمل:63)، وقال (جل شأنه): ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (الشورى:28)، وقال أيضًا: ﴿وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (البقرة:105)، والذي يقابل مفهوم الرحمة في القرآن المجيد هُوَ مفهوم الهلاك والعذاب والضر، قال (تعالى): ﴿يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (الإنسان:31).

قال (تعالى): ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (الملك:28)، وقال (تعالى): ﴿وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (المؤمنون:75)، وقال (جل شأنه): ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (الأنبياء:83)، أمَّا سبيل الرحمة وطريقها في الدنيا أولًا والآخرة ثانيًا فهو القرآن الكريم، قال (جل شأنه): ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (الأعراف:204)، فالله (تبارك وتعالى) أنزل القرآن المجيد على مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) تبيانًا وهدى وبشرى للمسلمين، وفيه مَا هُوَ شفاء ورحمة للمؤمنين، كما هُوَ الشأن بالنسبة للتوراة وغيرها من قبله، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث رحمة للعالمين.

قال (تعالى): ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (النحل:89)، وقال (تعالى): ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا (الإسراء:82)، وقال (تعالى): ﴿هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ (لقمان:3)، وقال (تعالى): ﴿هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ (الجاثية:20)، وقال (تعالى): ﴿وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (الأحقاف:12)، وقال أيضًا: ﴿وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (الأنعام:155)، إنَّ اتِّباع كل مَا جاء في القرآن الكريم. والإيمان والتقوى والعمل بالصالحات وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك، كل ذلك فيه رحمة للناس، إنَّ الرحمة خلق نبيل وعظيم، مأخوذ من اسم الله الأعظم، لا حدّ لأثرها وفعلها في خلق الله، فهي أساس كل خلق نبيل ولولاها لما كان الوجود والكون على مَا هُوَ عليه.

ولو أخذ الله (تبارك وتعالى) عباده بذنوبهم، بدل رحمته لهلك الناس أجمعين، لكن رحمته اقتضت المغفرة والتوبة للتائبين، ورحمة منه (سبحانه وتعالى) بعث أنبياءه ورسله ميسّرين سبل وطريق الهداية للناس أجمعين بما أوحى لهم من الآيات، كما أنَّ الرسول الخاتم مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة منه (جل شأنه) علم منبع الرحمة –أي: القرآن المجيد- للإنسان، قال (تعالى): ﴿الرَّحْمَنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنسَانَ* عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (الرحمن:1-4)، فكلما اتّسع بيان الإنسان وخلق وعيه وإدراكه في إطار القرآن الكريم، إلّا واتّسع له مفهوم الرحمة قولًا وفعلًا، وتجلّى له في كسبه في كل مجالات الحياة. وخلق الرحمة يترتب عليه إعمار الأرض بالخير والصلاح، والإصلاح بدل الفساد والإفساد، قال (تعالى): ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الروم:41)، والمنكرين أو الغافلين عن الرحمن الرحيم فوتوا على أنفسهم وعلى غيرهم فضلًا عظيمًا من الله (تبارك وتعالى) عليهم في الدنيا والآخرة.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *