Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

مفهوم العبادة

أ.د/ طه جابر العلواني

الحمد لله رب العالمين، نستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئآت أعمالنا، ونصلي ونسلم على رسول الله ومن اتبعه واهتدى بهديه إلى يوم لقاه.

ثم أمَّا بعد:

قضى الله (تبارك وتعالى) في كتابه العزيز ألّا نعبد إلا إياه، ولم يخلق الجن والإنس إلّا من أجل عبادته. قال (تعالى): ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (الإسراء:23)، وقال أيضًا: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات:56)، ودعوة كل الأنبياء في القرآن الكريم جاءت استجابة لهذا الطلب، قال (تعالى): ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولا أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ (النحل:36)، وقال (تعالى): ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (المؤمنون:23)، وقال أيضًا: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (الأعراف:65)، قال (جل شأنه): ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ (الأعراف:73)، وقال (جل شأنه): ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ (الأعراف:85)، وقال (تعالى): ﴿وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (العنكبوت:16)، وقال (تعالى): ﴿وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ (المائدة:72)، فكل الأنبياء الذين بعثهم الله (تبارك وتعالى) من قبل مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت دعوتهم إلى عبادة الله الواحد، قال (تعالى): ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (الأنبياء:25)، وجاء نهي الله (تبارك وتعالى) وتحذيره لنا ألّا نعبد الشيطان فعبادته هِيَ إعراض عن الله (تبارك وتعالى) قال (تعالى): ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (يس:60-61)، فما هُوَ مفهوم العبادة لله (تبارك وتعالى) وماذا تقتضي؟

 إنَّ الإيمان بالله (تبارك وتعالى) إلهًا وربًّا واحدًا يترتب عليه الإيمان بأنَّ الدين القيم له (جل شأنه) وهذا مَا أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلَّم) به، قال (تعالى): ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ* وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ* قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي (الزمر:11-14)، وقال (تعالى): ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (آل عمران:83)، وقال (جل شأنه) ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (الروم:30)، وقال أيضًا: ﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ* إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ* أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (الزمر:1-3)، وقال أيضًا: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (غافر:14)، وقال (تعالى): ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (التوبة:33)، من خلال هذه الآيات السالفة الذكر يتضح أكثر أنَّ الدين الخالص لله (تبارك وتعالى) وحده، فهو الباعث لأنبيائه ورسله والمنزل لكتبه قصد هداية خلقه. إذن فالعبادة المرتبطة بالحق من الضروريّ ألّا تخرج عن دينه وما نص عليه في كتابه من المناسك والشعائر، كالصلاة والصوم والحج والزكاة والصدقة والإنفاق في سبيله، وغير ذلك من السجود والركوع والذكر والتذكر والتدبّر في آياته والعمل بالصالحات… وغير ذلك مما يجوز في حقه من العبادات ويعود على عباده بالفضل وإعمار كونه، فالعبد ينبغي ألّا يغفل عن المعبود في كل مَا يقبل عليه.

إنَّ لفظ “العبادة” وما يرتبط به من ألفاظ في القرآن الكريم، يدور في إطار التذكير بأنَّه لا معبود بحق إلا الله (تبارك وتعالى)، فربوبيَّته ووحدانيَّته تضمن له الحق في العبادة دون غيره؛ فالعبادة له جزء من العلم به، إذ لا تتحقق هذه الأخيرة إلّا عن علم، والله (تبارك وتعالى) لا يعبد عن جهل، قال (تعالى): ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (الزمر:64)، فنتيجة جهلهم أعرضوا عن عبادة الله (تبارك وتعالى) ولهذا نجد القرآن الكريم يأخذ الكافرين الجاهلين بالله إلى ملكوته في السموات والأرض. ويضرب لهم الأمثال ويفصّل لهم الآيات المبثوثة في الخلق؛ لعلّهم يخرجون من الجهل بالحقائق إلى العلم بها وبماهيَّتها وحكمة الله (تبارك وتعالى) فيها، وإدراك العلل والأسباب، والعلم بمعرفة الخالق الواحد الأحد.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *