Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

مفهوم الصراط المستقيم

أ.د/ طه جابر العلواني

الحمد لله رب العالمين، نستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئآت أعمالنا، ونصلي ونسلم على رسول الله ومن اتبعه واهتدى بهديه إلى يوم لقاه.

   مفهوم الصراط المستقيم:

جاء لفظ الصراط في القرآن (38) مرة ولفظ صراطًا (5) مرات، وصراطك مرة واحدة، وصراطي مرة واحدة، فهذا اللفظ وما يرتبط به ذكر (45) مرة، وسنحاول تتبع هذه الجملة في الآيات التي وردت فيها تابعة للفظ الهداية، قال (جل شأنه): ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (البقرة:213).

قال (تعالى): ﴿ يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ* وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (آل عمران:100-101).

قال (جل شأنه): ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (المائدة:15-16).

وقال (تعالى): ﴿وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (الأنعام:87)، وقال (تعالى): ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (الأنعام:161).

قال (تعالى): ﴿وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (يونس:25)، وقال (تعالى): ﴿وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْرًا عَظِيمًا *وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (النساء:67-68)، وقال أيضًا: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (النساء:175).

قال (عز وجل): ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا* إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا* يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (مريم:41-43).

قال (عز وجل): ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (الفتح:1-2)، وقال (تعالى): ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (الفتح:20).

يتضح من خلال سورة البقرة حقيقة الكثير من أهل الكتاب اليهود خاصَّةً منهم الذين حرّفوا وبدّلوا مَا جاءهم من عند الله (تبارك وتعالى) واشتروا به ثمنًا قليلًا ظلمًا من عند أنفسهم إذ يقولون على الله (تبارك وتعالى) مَا لا يعلمون.

ففي موضوع هام جدًا وهو موضوع القبلة؛ أي: الوجهة التي يتجه المؤمن إليها وهو يقصد الصلاة، إذ ذكرت السورة بالقبلة الحق وهو البيت الحرام الَّذِي رفع قواعده إبراهيم وابنه إسماعيل (عليهما السلام) والله (تبارك وتعالى) أعلم بذريّة إبراهيم (عليه السلام) من بعده وهو أولى به، إذ استجاب دعاءه وعهد له أن يطهّر بيته للطائفين والعاكفين والركّع السجود وغير ذلك، لكن أهل الكتاب يعتقدون في إبراهيم (عليه السلام) وغيره عكس مَا نزل به القرآن المجيد وجاء به مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ويطرح عليهم القرآن الكريم قاعدة هامَّة لعلّهم يتخلون عن مَا ورثوه عن آبائهم وأجدادهم من كذب وبهتان، وهي قوله (تعالى): ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (البقرة:141)، لكن حقيقة هؤلاء هِيَ الإعراض عن القرآن المجيد وخاصَّةً في موضوع هام جدًا فوصفهم الله (تبارك وتعالى) بالسفهاء قال (جل شأنه): ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (البقرة:142).

واستمرت السورة في فضح اليهود وما كانوا عليه من باطل، قال (تعالى): ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (البقرة:213)، جاءت هذه الآية مذكّرة بأنَّ الناس كانوا أمَّةً واحدةً فاختلفوا، ولكي ينقذهم الله (تبارك وتعالى) من الاختلاف والتفرُّق والسقوط في الشيع والأحزاب فيلبسوا شيعًا ويذيق بعضهم بأس بعض بعث الله (تبارك وتعالى) الأنبياء والرسل مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكموا في كل مَا اختلف الناس فيه، ولا شك أنَّ مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم، فالذين اختلفوا في الكتاب هم الذين أوتوه من قبل؛ أي: اليهود والنصارى بغيًا وظلمًا من عند أنفسهم، فالقرآن المجيد هذه المرة يهديهم إلى الصراط المستقيم ويرفع أيّ اختلاف كان بينهم.

فجملة الصراط المستقيم من الآيات (142) و(213) من سورة البقرة جاءت في سياق الدعوة إلى التمسك بما أنزل الله (تبارك وتعالى) على رسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم).

أمَّا في سورة آل عمران (الآية:101) ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ فالسورة هِيَ استمرار لما قبلها، إلّا أنَّها اتخذت من موضوع النصارى موضوعًا أساسيًّا بدل اليهود، وكشفت السورة عن اعتقاداتهم الباطلة. ويذكرهم القرآن المجيد أنَّ الله (تبارك وتعالى) شاهد على مَا يعملون، فلماذا يكفرون به؟! وحذَّر القرآن الكريم المؤمنين منهم وغيرهم ألّا يطيعوا أولئك المبدلين لكلام الله (تبارك وتعالى) الذين يقولون على الله مَا لا يعلمون؛ لأنَّ مَا جاء به الرسول  (صلى الله عليه وآله وسلَّم) وما يتلوه من الآيات هِيَ طريق الهداية إلى الله (تبارك وتعالى) فجاءت جملة (الصراط المستقيم) في إطار التذكير أنَّ القرآن المجيد الَّذِي نزل على مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) هُوَ طريق الهداية إلى الله (تبارك وتعالى) أمَّا (الآية:16) من سورة المائدة: ﴿يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ فهي في إطار تذكير أهل الكتاب أنَّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء ليبيّن لهم كثيرًا مما يخفون من الكتاب، فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يتلو القرآن الكريم ليهديهم إلى سبيل السلام وإلى الصراط المستقيم.

وذكرت سورة الأنعام أنَّ الله (تبارك وتعالى) هدى رسله وعباده الصالحين من ذريَّة إبراهيم (عليه السلام) ونوح (عليه السلام) إلى الصراط المستقيم. ولو أشرك بعضهم لحبط عملهم وبعد هذه (الآية:87) من سورة الأنعام أنكرت السورة على المشركين بالله  (تبارك وتعالى) الغافلين على حججه وآياته وكذلك أهل الكتاب، وذكرت السورة أنَّ الله (تبارك وتعالى) هدى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) صراطه المستقيم وهذه هِيَ ملّة إبراهيم (عليه السلام)، أمَّا في سورة يونس فندرك من خلالها أنَّ الله (تبارك وتعالى) بيّن آياته وفصّلها للعاقلين، أمَّا الجاهلون فهم في غفلة عن الله (تبارك وتعالى) والله (تبارك وتعالى) يدعو إلى السلام وهو السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

وذكرت سورة الفتح: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (الفتح:2)، بما فتح الله به على نبيه مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهدايته له إلى الصراط المستقيم. واستمرت السورة في كشف فضل الله (تبارك وتعالى) على المؤمنين الذين اتبعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن نصرهم بإيمانهم وهداهم إلى صراط مستقيم وهو مَا جاء به مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وما نزل عليه من القرآن المجيد.

أمَّا (الآيّة:43) من سورة مريم، فقد وردت جملة سويًّا بدل مستقيم، وذلك في إطار الحوار بين إبراهيم (عليه السلام) وأبيه، قال (تعالى): ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا﴾ (مريم:43).

فجملة (صِرَاطًا سَوِيًّا) تدور في إطار الجملة التي نحن بصددها (الصراط المستقيم) وذلك أنَّ الله (تبارك وتعالى) ضرب مثلًا لمن كان يمشي مكبًّا على وجهه لا ينظر مَا أمامه وما بجانبيّه، فمشيته لا تهديه إلى الطريق الصواب. وبين ذلك الَّذِي يمشي سويًا مرفوع الرأس ينظر إلى الطريق أمامه مبصرًا الاتجاه الَّذِي يقصده. فهو أخذ بكل سبل الهداية، فالذي يمشي سويًا هُوَ المهتدي إلى الصراط المستقيم، قال (تعالى): ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (الملك:22)، والله (تبارك وتعالى) كذلك أرسل روحه على مريم فتمثَّل لها بشرًا سويًا لا نقص ولا عيب فيه، وكان قول الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (طه:135)، فالذين اهتدوا على الصراط السوي؛ أي: الخالي من العيوب والاعوجاج.

إنّ الإطار الَّذِي تدور فيه جملة (الصراط المستقيم) هُوَ الدعوة إلى التمسك بما جاء به مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم الأنبياء والرسل، وهو دين الإسلام الذي يدل عليه القرآن الكريم لقوله (تعالى): ﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَهَـذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (الأنعام:125-126)، وقال (تعالى): ﴿الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (إبراهيم:1).

وهذا الصراط الَّذِي عليه مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) كما عليه كل الأنبياء والرسل يقتضي العدل والأمر به، قال (تعالى): ﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (النحل:76)، والإعراض عن الشرك والإقبال على شكر نعم الله (تبارك وتعالى) وقد رسم القرآن الكريم نموذجًا لذلك في نبي الله إبراهيم تعالى إذ قال (تعالى): ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (النحل:120-121)، إنَّ كل مَا خلق الله (تبارك وتعالى) من الدواب وغيرها جعلها على صراط مستقيم. فالكل يسبح بحمده (تعالى)، فلا مجال للعبث في الخلق. قال (تعالى): ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (هود:56)، ولكن الإنسان وهبه الله (تبارك وتعالى) الحريَّة في الفعل والإرادة، وهَمَ الشيطان أن يبعده عن الصراط المستقيم؛ أي: عن الدين القيم، قال (جل شأنه): ﴿قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ* قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ* قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْئومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِي (الأعراف:14-18).

قال (تعالى): ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ* قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ* إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ* وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِين (الحجر:39-43).

إنَّ الشيطان يبغيها عوجًا ومن تبعه من الناس، إذ يقعد ومن معه تصدية عن سبل الله (تبارك وتعالى) وعن الصراط المستقيم.

وهذا مَا حذّر منه نبي الله شعيبًا (عليه السلام) قومه الجاحدين بدعوته في قوله (تعالى): ﴿وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (الأعراف:86)، فما عليه قوم شعيب (عليه السلام) هُوَ الاعوجاج بدل الاستقامة.

إنَّ مَا عليه أهل الكتاب من معتقدات وما يظنون به في الأنبياء وغيرهم، وما هم عليه في الدنيا، وكذلك مَا عليه المشركون العاكفون على عبادة الأصنام وما شابهها من معتقدات الآباء التي مَا أنزل الله (تبارك وتعالى) بها من سلطان.

كل مَا عليه هؤلاء لا صلة له بالصراط المستقيم، الَّذِي دعا له الله (تبارك وتعالى) ورسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) ويتجلى ويدل عليه القرآن الكريم الَّذِي ضرب فيه الله (تبارك وتعالى) الأمثال والآيات للعاقلين، كما أنَّ الكون الَّذِي خلقه الله (تبارك وتعالى) بالحق يدل على هذا الصراط الحق، ويقود إليه، ففيه نقرأ آيات الله (تبارك وتعالى) الدالة على عظمته.

قال (جل شأنه): ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ* وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (الأنعام:38-39).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *