أ.د/ طه جابر العلواني
الشرع: نهج الطريق الواضح. يقال: شرعت له طريقا.
والشرع: مصدر. ثم جعل اسما للطريق النهج، فقيل له: شِرْعٌ، وشَرْعٌ، وشريعة.
واستعير ذلك للطريقة الإلهيّة، قال (تعالى): ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجَا﴾ (المائدة:48)، فذلك إشارة إلى أمرين: أحدهما: مَا سخر الله (تعالى) عليه كل إنسان من طريق يتحراه مما يعود إلى مصالح العباد وعمارة البلاد. وذلك المشار إليه بقوله (تعالى): ﴿ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ﴾(الزخرف:32).
الثاني: مَا قيض الله من الدين وأمره به ليتحراه اختيارا مما تختلف فيه الشرائع، ويعترضه النسخ، ودل عليه قوله (تعالى): ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا ﴾(الجاثية:18).
نقل عن ابن عباس أنّه قال: الشرعة مَا ورد به القرآن، والمنهاج مَا وردت به السنة.
وقوله (تعالى): ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ﴾ (الشورى:13)، إشارة إلى الأصول التي تتساوى فيها الملل فلا يصح عليها النسخ؛ كمعرفة الله (تعالى)، وأصول العقيدة مما دل عليه قوله (تعالى): ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ (النساء:136).
وقال بعضهم: سميت الشريعة شريعة تشبيها بشريّعة الماء من حيث إنَّ من شرع فيها على الحقيقة المصدوقة روى وتطهر. [1]
والشريعة والتشريع، وكذلك الشِّرعة والشرع، كلها راجعة إلى أصل واحد، هو مادة “شـرع”.
ومعنى “شـرَعَ “: وضعَ الأحكام وحدَّدها، فهو بمعنى سنَّ، فالذي يضع الأحكام للناس، ويحدّد لهم مَا يفعلون وما لا يفعلون، ويحدّد لهم كيف يفعلون…، يقال عنه: شرَعَ يَشرَعُ…
والأحكام التي يضعها تسمى شَرْعًا وشريعة. وتسمى كذلك شرْعة، وعلى هذا: فالشريعة والشرعة والشرع بمعنى واحد.
وقال الإمام الطبري: ((والشِّرْعة: الشريعة بعينها، تجمع الشِّرعة شِرَعًا، والشريعة شرائع، ولو جمعت الشرعة شرائع كان صوابا، لأنّ معناها ومعنى الشريعة واحد))([2]).
وقال القرطبي: ((والشِّرعة والشريعة: الطريقة التي يتوصل بها إلى النجاة. والشريعة في اللغة: الطريق الذي يتوصل منه إلى الماء. والشريعة مَا شرع الله لعباده من الدين، وقد شرع لهم يشرع: أي سن، والشارع: الطريق الأعظم))([3]).
أما مفهوم “الشريعة”؛ من حيث مضامينها ومجالات أحكامها: فمن العلماء من يجعله شاملا لكل مَا أنزله الله لعباده، أي لكل مَا وضعه لهم وكلفهم به وأرشدهم إليه، من معتقدات وعبادات وآداب… فالشريعة عندهم مرادفة أو مطابقة للدين والملّة، فالدين والملّة والشريعة، في هذا المفهوم الموسَّع شيء واحد.
ومما يستدل به على هذا المعنى قوله (تعالى): ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ (الشورى:13 )[4].
وأهم مَا هو مشترك بين هؤلاء الرسل وغيرهم، هو توحيد الله وعبادته وطاعته، فهذا هو مَا شرعه الله للعباد، وهذا هو شرعه وشريعته، فكل مَا شرعه فهو شرع وشريعة.
[1] المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني. مادة شرع
[2] تفسير الطبري ، (10 / 384)، عند تفسير الآية: ( لكل جعلنا منكم شِرعة…. ).
[3] الجامع لأحكام القرآن ، عند قوله (تعالى) ( لكل جعلنا منكم شرعا ومنهاجا )
[4] انظر الكليات للريسوني.
لقراءة البحث كاملا يرجى الضغط على الرابط التالي: