Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

غرق السوريين

أ.د/ طه جابر العلواني

عكست خطبة الجمعة الماضية في مختلف العالم الإسلامي مدى الحزن لدى الناس على ذلك الطفل الذي غرق في أمواج البحر الأبيض المتوسط وهو وعائلته يبحثون عن ملجأ آمن في أوروبا شرقها وغربها، وتابعت ما أعلنته بعض الحكومات الأوربية من أنها ستتحمل مسؤوليتها تجاه اللاجئين وأعلن بعضها أعدادا يستطيع استيعابها من هؤلاء اللاجئين، ولفت نظري صوتان صوت يحذر أوروبا من الانفتاح على هذه الأعداد الهائلة من اللاجئين؛ لأنه سوف تغير أوروبا دينيا وقد تصبح بعد فترة الديانة الإسلامية هي الأولى والغالبة في أورويا كلها وذلك يعني تغييرا لا في الدين وحده بل في الثقافة وتوازن القوى وما إليها وهناك صوت آخر كان لا فت للنظر ألا وهو: أن موجات الهجرة هذه وجميع المشاكل ستصاب بها أوروبا بعد ذلك هي جزاءًا وفاقا لتآمر أوروبا وأمريكا على المنطقة وزرعهما الكيان الصهيوني فيها وتحويلها إلى منطقة غير آمنة يهرب منها أهلها للبحث عن ملجأ بعد أن أُخرجوا من ديارهم وأموالهم بتآمر الرجل الأمريكي الأوروبي الصهيوني “الأبيض” وشجعه وكرهه للإسلام والمسلمين.

ولا ننسى اللاعب الجزائري في الفريق الفرنسي الذي بعد أن وضع الكرة في شباك الفريق المنافس للفريق الفرنسي نبذه أحدهم وهو عائد بأنه مسلم قذر.. كذا، تعبيرا عن تلك المشاعر العنصرية المعادية للإسلام والمسلمين، فاضطر الرجل في حينه إلى ضرب الرجل برأسه وكُفئ بكرت أحمر بدلا من أن يشكر على النصر الذي جلبه للفريق الفرنسي.

المهم أن كل هذه الأصوات سمعت على اختلافها وتناقضها لكن الأوربيون تصرفوا وأعلنت بعض الدول أن عليها أن تستوعب هذه الأعداد من اللاجئين بل وتستعد لاستقبال غيرهم؛ لأن أوروبا في حاجة إلى هؤلاء اللاجئين، فالأوربيون يحتاجون إلى مهاجرين خاصة في الدول الاسكندنافية، ولو أن بعض هذه البلدان بقيت بيد أهلها ولم يأتها مدد بشري من بلدان اخرى فإنها سوف تنتهي بعد خمسين عاما وقد تصبح بلادا مهجورة؛ لأنه لن يكون فيها سكان فسكانها في تناقص.

أصوات كثيرة تحتاج إلى تحليل ونقد واستخلاص دروس وعبر منها، لكن الذي لفت نظري أكثر أن العرب والمسلمين هم الوحيدون الذين تعالت أصواتهم بالبكاء والنحيب وعبرات خطبائهم بلت المنابر، ولكن دون أي إجراء أو تحرك، أما الأوربيون فإنهم اجتمعوا عدة اجتماعات على مستوى قمم وسفوح وخرجوا بإجراءات لإعادة النظر في السياسات والقوانين والنظم المتعلقة بالهجرة وكيفية تحمل هذه الأعباء واستيعاب هؤلاء الناس.

وجلست أقارن بين رد الفعل الأوروبي الغربي وبين رد الفعل الاسلامي العربي، فالعرب والمسلمون لم نسمع صوتا واحدا منهم، لا من الساسة ولا من العلماء والمفكرين ولا من الخطباء والإعلاميين يقول: بأن الأرض العربية الواسعة تستطيع أن تستوعب كل لاجئي العرب، وتقدم لهم ما يتعلق بالضرورات الإنسانية، وأن هذه الأرض التي عمها الاسلام بأنواره منذ أربعة عشرة قرنا قد ورثت ثقافة على أعلى مستوى لا يزال مصدرها المنشئ القرآن المجيد بين أيدي الناس يقرؤونه ويُقرأ عليهم صباح مساء، لم يجتمع الحكام العرب ليقولوا كيف نغسل العار: عار لجوء بناتنا ونسائنا إلى بلدان أخرى، مهما فعلت، فإن لها ثقافة موروثة مليئة بالتراث الذي يوضح الصراع مع أسلافنا وأجدادنا، لم نسمع أحدًا قال: إنه بدلا من ترك هذه الآلاف لابتلاع البحار والسكك الحديدية وسيارات وقطارات التهريب علينا أن نضمهم إلينا فنحن أولى بهم فنحن الذين أُمرنا بإقراء الضيف، وإجارة المستجير، وحمل الكل، وإكساب المعدوم وتعلمنا ذلك، وجعله الإسلام جزءًا من ثقافتنا.

إن هناك بلدان تشتد حاجتها إلى الأيدي العاملة وهي ملأى بالأيد العالمة من كل صوب وحدب؟، والولي بهذه البلدان يجب عليه أن يحتضن هؤلاء، وكثيرون منهم عمال وفنيون ومتعلمون يستطيعون سد ثغرات كثيرة ولا يخشى من إحداثهم أي تغيير في ثقافة البلد أو دينه، كما أن قربهم من سوريا والعراق سوف يجعلهم يعودن إلى بلدانهم حين تلوح أي بادرة هدوء وأمل لهم.

نحن لا ننكر وجود  الأعداد الكبيرة التي لجأت إلى لبنان، ولا الأعداد التي استوعبها الأردن ولا الأعداد الكبيرة التي استوعبتها تركيا، ذلك جهود مشكورة ، كل هؤلاء قد استوعبوا أعداد من اللاجئين من سوريا والعراق ولكن ما يزال العالم العربي والإسلامي قادر على استيعاب الجميع.

هنا نتساءل عن الفاعلية والدافعية التي لدى الأوروبي والفاعلية والدافعية لدى المسلم والعربي، ولابد من المقارنة بينهما، وهنا يحضرني حديث المستورد القرشي الذي أخرجه مسلم، حين رُوي لعمرو بن العاص -الذي يعد من علماء الأنثروبولوجيا المتعمقين من حيث قدرته على بيان خصائص الشعوب- حين سمع من المستورد القرشي قوله الذي يرفعه على رسول الله «تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ»

دهش عمرو وقال للمستورد أبصر ما تقول فأكد أنه قد سمعه، فقال عمرو مفسرا الظاهرة المشار إليها:  

عَنْ اَلْمُسْتَوْرِدِ اَلْقُرَشِيِّ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِـ صلى الله عليه وسلم ـيَقُولُ :

تَقُومُ اَلسَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ اَلنَّاسِ، فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: لَئِنْ قُلْتُ ذَلِكَ، إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالاً أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ اَلنَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ، وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ، وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ اَلْمُلُوكِ.

والشاهد هنا لقد خسر العرب في فروق الأسعار أسعار البترول المتذبذبة ما يزيد من أربعين مليار دولار خلال شهور معدودة ونصف هذا المبلغ كان كافيا لإيواء هؤلاء وتشغيلهم في عالمنا الإسلامي وإنقاذ أولئك الغرقى والهلكى من كل أصناف الذل التي تعرضوا لها قبل الموت والغرق، ويتعرض لها من نجا وعاش في محطة قطارات شرق أوروبا وغيرها.

إن فقدان الفاعلية يجعل الإنسان عاجزًا عن استيعاب المصائب والمشكلات الكبرى وفقدان الفاعلية لدى الأمم داء خطير يساوي الموت أو مرض الموت.

نسأل الله (جلَّ شأنه) أن يعيد لأمتنا يقظتها بتقديره وحكمته في تشريعاتها، وأن يخرجها من الظلمات إلى النور، وأن نتعلم ونعلم غيرنا.

 فعند الحديث عن الأخوة العربية والإسلامية نملأ الدنيا حديثا عنها، وعندما يأتي الفعل والأداء فلا شيء كما يقول القائل: «أشبعتهم شتما، وفازوا بالإبل»!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *