Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

د.مولود عويمر

هل يموت من ترك وراءه كل هذا التراث؟

يرحل الرجال، وتبقى أعمالهم!

 

الدكتور طه جابر العلواني في موكب الخالدين

ومضات من حياة الدكتور العلواني

ولد طه جابر العلواني في يوم 4 مارس 1935م في الفلوجة في العراق. درس على مجموعة من العلماء العراقيين ثم التحق بجامع الأزهر بالقاهرة حيث واصل تحصيله العلمي، ونال فيه الشهادات العليا: العالمية (1959)، والماجستير (1968)، والدكتوراه (1973) في الشريعة وأصول الفقه. وبعد تخرجه، عمل أستاذا في كليّة الدراسات الإسلاميّة في بغداد، واشتغل أيضا بالخطابة والإمامة والتدريس في بعض مساجد بغداد.

لقد اضطر الدكتور العلواني لمغادرة العراق بعد اختلافه مع النظام السياسي الجديد، والتحق بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، فدرّس فيها الفقه وأصوله لمدة عشر سنوات (1975-1985).

وكان خلال تلك السنوات يسافر كثيرا إلى الولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة في العمل الفكري والدعوي. وأسس مع مجموعة من العلماء والمفكرين أمثال الدكتور عبد الحميد أبو سليمان والدكتور إسماعيل الفاروقي وغيرهما مؤسسة علمية راقية في فيرجينيا اسمها: المعهد العالمي للفكر الإسلامي في عام 1981، وترأسه من عام 1988 إلى سنة 1996، وكذلك أشرف على إصدار مجلة المعهد الأكاديمية “إسلامية المعرفة” التي أصبحت اليوم من أحسن الدوريات العلمية في العالم.

تفرغ الدكتور العلواني بعد عام 1996 لإدارة جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بواشنطن (جامعة قرطبة لاحقا) التي تستقطب الطلبة من كل أنحاء العالم الإسلامي.

عطاؤه الفكري وإنتاجه العلمي

أما في مجال البحث والعطاء العلمي، فقد ألف الدكتور العلواني كتبا عديدة في الفقه والفكر المعاصر، أذكر منها: الاجتهاد والتقليد في الإسلام، أدب الاختلاف في الإسلام، أصول الفقه الإسلامي، إصلاح الفكر الإسلامي بين القدرات والعقبات، ابن تيمية وإسلامية المعرفة…الخ.

لقد تخلص الدكتور طه جابر العلواني من بعض أعباء الإدارة والتدريس في السنوات العشر الأخيرة، فتفرغ للكتابة وجمع عدد كبير من مقالاته وبحوثه ومحاضراته، ونشرها في كتب متسلسلة أذكر منها: الأزمة الفكرية ومناهج التغيير، الجمع بين القراءتين: قراءة الوحي وقراءة الكون، مقاصد الشريعة، الخصوصية والعالمية في الفكر الإسلامي المعاصر، نحو منهجية معرفية قرآنية: محاولات بيان قواعد المنهج التوحيدي للمعرفة،أزمة الإنسانية ودور القرآن الكريم في الخلاص منها، الجمع بين القراءتين: قراءة الوحي وقراءة الكون، الوحدة البنائية للقرآن المجيد، لسان القرآن ومستقبل الأمة القطب، لا إكراه في الدين: إشكالية الردة والمرتدين من صدر الإسلام إلى اليوم…ألخ.

كما اهتم بدراسة التراث وإحيائه، فحقق كتاب “المحصول في علم أصول الفقه” للإمام فخر الدين الرازي في 6 مجلدات. كما لا يجب أن ننسى تصديراته للعديد من الكتب التي أصدرها المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فكان دائما حريصا على تقديم الموضوع، والتنويه بالكاتب، والتنبيه إلى أهمية الموضوع المدروس. وأرى الآن فوق مكتبي عددا من هذه الكتب، أذكر منها بالخصوص: أزمة العقل المسلم لعبد الحميد أبو سليمان، ومدخل إلى إسلامية المعرفة لعماد الدين خليل، والخطاب العربي المعاصر لفادي إسماعيل، والحضارة، الثقافة، المدنية لنصر محمد عارف…الخ.

أما مقالاته وبحوثه فهي كثيرة جدا، فقد ساهم في العديد من المجلات العربية والإسلامية أذكر منها: مجلة الأمة (قطر)، الوعي الإسلامي (الكويت)، المسلم المعاصر (مصر)، الاجتهاد والكلمة (لبنان)، وقضايا إسلامية معاصرة (بريطانيا)، رؤى (فرنسا)، إسلامية المعرفة، والرشاد (الولايات المتحدة الأمريكية)…الخ.

ومن أهم مقالاته التي استوقفتني، مقاله المعنون: “إلى أين؟” المنشور في العدد 13 من مجلة الرّشاد الصادرة عن مركز دراسات الثقافة والحضارة بالولايات المتحدة الأمريكية. لقد درس الدكتور طه جابر العلواني في هذا المقال مستقبل الصحوة الإسلامية ومصير العمل الإسلامي بعد أحداث 11 سبتمبر باعتبارها الصدمة العنيفة التي “زلزلت سائر البنى” التي قامت عليها الدعوة الإسلامية في العصر الحديث منذ دعوات محمد بن عبد الوهاب وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا وعبد الرحمان الكواكبي، وتوسعها مع ظهور حركة الإخوان المسلمين في مصر، والجماعة الإسلامية في باكستان، وجمعية العلماء المسلمين في الجزائر.

توقف الدكتور العلواني عند بعض الأخطاء المنهجية والإستراتيجية التي وقعت فيها الحركة الإسلامية، فساهمت بذلك في ظهور اتجاهين خطيرين على العمل الإسلامي: الاتجاه السلفي، والاتجاه الصوفي الانعزالي.

والحل لا يكون في نظره إلا في العودة إلى القرآن الكريم «وجعله مركز تفكير المسلم ومنطلقه ومصدر التصديق والمراجعة لكل تراثه بما في ذلك السنة النبوية المطهرة».

واهتم أيضا بموضوع فـقـه الأقليات فنشر حوله بحوثا نفيسة. اختلف الدكتور العلواني في تصنيف موضوع فقه الأقليات مع غيره من العلماء والفقهاء، فالشيخ يوسف القرضاوي يرى أن فقه الأقليات هو فرع من الفقه الإسلامي، بينما يعتبره الأستاذ العلواني علماً قائماً بذاته، يحاول الإجابة عن مختلف التحديات المطروحة على الجالية الإسلامية في البلدان غير المسلمة والتي يرتفع عدد أفرادها باستمرار.

كما قدم الدكتور العلواني محاضرات كثيرة في دول عديدة، وكاد لا يتوقف عن الأسفار، ويقضي أكثر من نصف العام خارج مقر إقامته. وقد استمعت إلى بعض من محاضراته في فرنسا والجزائر. ولا بأس أن ألخص هنا محاضرتين.

كانت المحاضرة الأولى عنوانها: “إشكالية المنهجية في الفكر الإسلامي المعاصر”، قدمها في المركز الثقافي الأوروبي بباريس في 9 يوليو 2002. ذكر الدكتور العلواني أن المسلمين هجروا كتاب الله، ولم يعد المركز الإشعاعي لهم، وصارت مصادر ثقافة المسلم هي كتيبات الحركة التي تعلق بها، أو المذهب الذي كان ينتمي إليه، أو المفكر أو الشيخ الذي تأثر به.

والأصل أن القرآن الكريم هو الكتاب الكوني الذي يمد المسلم بالطاقة الروحية والعقلية التي يحتاج إليها ليتكون نفسيا وعقليا.

عرض الدكتور العلواني بعد ذلك خبرته الشخصية في قراءة القرآن ومدارسته. فهو ينطلق في البداية من فكرة أن الكتاب المنزل يحتوي على ثلاثة محاور كبرى: التوحيد، التزكية، والعمران. فيتأمل من خلالها السور التي يقرأها، ويحدد العمود الأساسي للسورة، والذي تدور حوله المحاور الأخرى مع ربط الصلة بين الآيات بالبحث عن مناسبات وأسباب النزول.

وأكد على أن كل هذه الخطوات يجب أن تكون مصحوبة بقلب منيب وخاشع، والنظر إلى القرآن والاستماع له كأنه يسمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم.

وأشار كذلك إلى مجموعة من الكتب القيّمة في مجال الدراسات القرآنية والتي تأثر بها كثيرا وذكر على وجه الخصوص النبأ العظيم، والمدخل إلى القرآن الكريم للدكتور محمد عبد الله دراز، ومجالس التذكير في تفسير كلام الحكيم الخبير للشيخ عبد الحميد بن باديس.

وقال الدكتور العلواني أن النصوص متناهية والوقائع لا متناهية، بمعنى أن القرآن والسنة نصوص محصورة، في حين الإشكالات التي تفرزها الحياة لا عد لها. وهنا بدأ العلماء المسلمون في البحث عن مصادر إضافية للتشريع.

ونتج عن هذا البحث اكتشاف منهج جديد وهو القياس الأصولي. وهو منهج البحث عن العلل والأسباب التي تختفي وراء الظواهر للإجابة عن الأسئلة المستجدة.

فالتشريع الإسلامي قائم إذن على مبدأي العلل والدلائل حتى لا يكون «للناس على الله حجة بعد الرسل» كما جاء في الآية الكريمة. فكان بناء الصرح الإسلامي قائما على هذا المنهج، وانتقل فيما بعد إلى الحضارة الأوروبية.

ودعا الدكتور العلواني إلى العمل على إيجاد قواعد مشتركة للفكر الإنساني من خلال تقديم المنهج القرآني الجامع بين القراءتين: قراءة الوحي وقراءة الكون.

أما المحاضرة الثانية فإن عنوانها: “واقع التدين بين التوجهات المنهجية والتطلعات الروحية”. وقد ألقاها في إطار الندوة الدولية حول “التدين في المجتمع الأوروبي المعاصر”، التي نظمها المعهد العالمي للفكر الإسلامي والمجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء في باريس، يومي 11-12 يوليو 2002. حلّل الدكتور العلواني اختلاف الناس على مفهوم الدين منذ العصور وأشار إلى أن معنى الدين بقي مظلوماً عند المسلمين وغيرهم، وكل متدين يرى نفسه على حق وأنه وحده يمتلك الحقيقة المطلقة وغيره على باطل في حين أن الدين مطلق والتدين نسبي. ودعا إلى دراسة الأديان السماوية دراسة مستفيضة حسب تسلسلها التاريخي وقد كانت في أصلها تتفق مع الإسلام في محاوره الكبرى المتمثلة في التوحيد والتزكية والعمران.

ثم تحدث عن واقع التديّن في أمريكا بعد أن أعطى عنه لمحة تاريخية بدء من عام 1620 وهي السنة التي فر فيها البروتستانت من بريطانيا إلى العالم الجديد.

وتحدث عن التقارب الكبير بين البروتستانت واليهود فكل منهما الدينين تعرض لاضطهاد الكنيسة الكاثوليكية.

كما أشار الدكتور العلواني إلى التغلغل العميق لنـزعات التطرف المسيحية في السياسة الأمريكية خاصة بعد فوز الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية آنذاك.

الدكتور العلواني في الجزائر:

بدأت علاقة الدكتور طه جابر العلواني بالجزائر أيام الثورة التحريرية التي وصلت أصداؤها إلى العراق، ولقيت في هذا البلد العربي تفاعلا كبيرا سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، وقد وقف كثير من علماء العراق أمثال الشيخ أمجد الزهاوي والشيخ محمود الصواف في صف الثورة، وساندوها بكل الوسائل المتاحة.

وقد عاش العلواني هذا الجو التضامني الذي ساد فيه إقبال العراقيين على دعم كفاح الجزائريين بتنظيم التظاهرات الشعبية من أجل استنكار السياسة القمعية التي كانت تمارسها فرنسا الاستعمارية في الجزائر، وبجمع الأموال لفائدة المجاهدين وعائلات الشهداء.

وقد دفعه حبه للجزائر إلى الاطلاع على تاريخها وتراثها الأدبي والفكري، فتعرف على أعمال قادة حركتها الإصلاحية أمثال الشيخين عبد الحميد بن باديس ومحمد البشير الإبراهيمي وغيرهما، ودرس مؤلفات المفكر مالك بن نبي وأعجب بمنهجه، وتأثر بأطروحاته في قضايا النهضة، ولم يقتصر العلواني على الاقتباس من هذا المفكر الجزائري والاسترشاد به بل حرص على استحضاره في مشروع المعهد العالمي للفكر الإسلامي حينما كان رئيسا له.

وهذا واضح من قوله: « لقد كان المعهد العالمي للفكر الإسلامي يعرف لأستاذ مالك بن نبي حقه ويعرف أهمية أفكاره… وكان يهتم بها كثيرا… وكثير من رجال المعهد كانوا على صلة بالأستاذ مالك في حياته.

وأما دراساته في قضايا الفكر والثقافة المباشرة، فكانت موضع تقدير واهتمام خاص من رجال المعهد… ولقد كان كثير من أولئك الذين يقرؤون لمالك ولرجال المعهد يدركون أن أفكار الجميع تصدر من مشكاة واحدة لتصب في قناة واحدة…قناة التجديد الحضاري لهذه الأمة من منطلق التغيير الفكري والثقافي.»

وبعد استرجاع الاستقلال زار الدكتور العلواني الجزائر للمشاركة في أشغال ملتقيات الفكر الإسلامي، فأذكر هنا بالخصوص محاضرته التي قدمها في يوليو 1985 بعنوان: “وضع منهجية علمية للتوصل إلى جعل المعرفة تقدم في إطار إسلامي”.

وهو يقصد هنا منهج أسلمة العلوم كما جاء في برنامج المعهد العالمي للفكر الإسلامي آنذاك.

كما عمل أستاذا زائرا في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، وقد تأثر به بعض الطلبة فتبعوه بعد ذلك إلى جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بواشنطن (جامعة قرطبة) لإعداد رسائل الماجستير والدكتوراه تحت إشرافه.

رحمه الله الدكتور طه جابر العلواني، وأسكنه فسيح جنانه مع العلماء المخلصين، وعوّض الأمة الإسلامية خيرا، ونفعنا بعلم هذا العالم الغزير، ووفقنا إلى الاستفادة من فكره المستنير.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *