Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

أ. محمد الدخاخني

“اشهدوا علي أني قد رجعت عن كل مقالة قلتُها أخالف فيها ما قال السلف الصالح.. وإني أموت على ما تموت عليه عجائز نيسابور”. لو كان لطه جابر العلواني أن يكتُب وصية دينية – لو كان ثمة شيء بهذا المعنى -لكانت هذه العبارة التي تروى عن إمام الحرمين الجويني.

بيد أن المفارقة تظهر هنا. كان العلواني يريد “إيمان عجائز نيسابور” و في الوقت نفسه، الإيمان المؤسس على نظرة كانطية في صرامتها. أراد أن يكون عاميا وعالما في آن. حين يحاصَر بالعلماء يتملكه شغف إلى العوام، والعكس صحيح. ويمكنني أن أقترح أنه كان على المستوى الوجودي “نيسابوريا” مخلصا، بينما على المستويين الأخلاقي والمعرفي عالما من طراز رفيع ومتمرس.

يقول محمود درويش: “إن الشعر يولد في العراق، فكن عراقيا لتصبح شاعرا يا صاحبي”. إذا أخذت كلمة الشعر بدلالتها الألمانية، أي كل صنوف الأدب؛ فإن العلواني من كبار الشعراء. لا يمكن أن تخونه ذاكرته في التوصل إلى قصيدة أو قصة أو مثل عربي قديم حين يريد أن يوضح معنى فكرة ما. وكان أمتع ما يكون حين يعلمنا المسائل اللغوية في الأصول. وإذا كان الشاعر هو، كما يعبر أمل دنقل، من لا يكف عن الحلم بواقع جديد، من يرى ما بعد الآن وهنا؛ فإن العلواني أيضا من كبار الشعراء.

إن الشجاعة هي الفضيلة التي إذا ضاعت لم يعد من الممكن التوصل إلى فضائل أخرى، بحسب أحد الفلاسفة. بكلمات أخرى، الشجاعة أم الفضائل. كان أستاذي – لا أقول شيخي، فأنا، بتعبيره، “أفندي” والأفندية لهم أساتذة – شجاعا جدا. ولا يحتاج هذا الأمر إلى مزيد شرح حيث يعرفه كل من قرأ مؤلفاته، أو استمع إلى محاضراته، أو تكلم معه وجها لوجه.

إن “النيسابوري” “الكانطي” “الشاعر” الشجاع الذي كانه العلواني هو نفسه الصديق الذي كان يستمع إلى مشكلاتي العاطفية، والأب الذي لم يدخر وسعا في الوقوف بجانبي في عثراتي المادية، وقبل هذا وذاك الأستاذ والمعلم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *