Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

تحديد منطلقات لم الشمل الإسلامي

 

في هذه الحلقة من عرضنا للدراسة الهامة التي أعدها المفكر الإسلامي الدكتور طه جابر العلواني “إصلاح الفكر الإسلامي بين القدرات والعقبات” نعرض تصوره لعلاج الأزمة الفكرية التي تمر بها الأمة الإسلامية.

لقد حدد المؤلف محاور العلاج في ضوء المشروع الفكري الحضاري الذي يضطلع به المعهد العالمي للفكر الإسلامي وذلك على النحو التالي:

من حيث المنطلق حدد الكاتب مطلقات عدة نجملها فيما يلي:

  • الإيمان بكونية الرسالة الإسلامية باعتبارها الخطاب الإسلامي الخالد للإنسان في كل زمان ومكان.
  • الإيمان بخلود الرسالة الإسلامية وخاتميتها وتجردها عن حدود الزمان والمكان.
  • الاعتقاد بأن أزمة الأمة هي أزمة فكرية، وليست أزمة قيم فالقيم محفوظة حفظ الله –تعالى- في الكتاب والسنة.
  • الإيمان بقدرة الأمة على صناعة الأفكار المعاصرة في ضوء توجيهات وتسخير السنن للقيام بأعباء الاستخلاف، وحل مشكلة الأمة والبشرية وإنقاذها من المعاناة.
  • الإيمان بأن الأفكار ليست بديلاً عن الحركة ولكنها شرط لصوابه وأن سلامة العمل مرهونة بسلامة منطلقاته الفكرية.
  • عصمة عموم الأمة عن الردة والضلالة العامة المطلقة، وقدرتها على امتلاك وسائل النهوض الحضاري عند تحقق شروطه والتمكن من سننه.

المرتكزات:

وعن المرتكزات التي يجب الانطلاق منها قال أنها تتركز فيما يلي:

  • إعادة قراءة الكتاب والسنة كمصدرين للمعرفة والحضارة والثقافة والفكر والانطلاق من السيرة الصحيحة كفترة مصونة بتسديد الوحي للاهتداء بها في منهاجية تنزيل النصوص إلى الواقع.
  • إعادة قراءة الميراث الثقافي والحضاري والإسلامي وإخضاعه لمعايير الغايات والمقاصد الإسلامية.
  • قراءة الكسب البشري في المجال الثقافي والحضاري والتبادل المعرفي كله مع التنبه لخلفياته وأطره المرجعية.
  • دراسة الواقع الإسلامي المعاصر واستقراء حاجاته، وتحديد أسباب الإصابات التي لحقت به.
  • استشراف آفاق المستقبل الإسلامي في ضوء ذلك كله والعمل على تحرك الأمة باتجاه تحقيقه.

أما الأهداف فقد حددها في التالي:

  • إعادة تشكيل العقل المسلم المستنير القادر على القيام برسالته وممارسة دوره في الاجتهاد والتجديد والعمران الإسلامي، وتأهيل المسلم لدور الاستخلاف، واكتشاف سنن الله في الأنفس والآفاق.. ولهذا الهدف سبيلان، الأول: تنقية عالم الأفكار، وإعادة قراءة الميراث الثقافي وتقويمه في ضوء رؤية ذات دراية وفقه حضاري والثاني بناء النسق المعرفي والثقافي الإسلامي.

وهذان السبيلان يستلزمان العمل عن كل منها جملة من المحاور الفرعية:

المحور الأول: المنهج ونعني به (مجموعة الضوابط والشروط والموجهات التي تضبط حركة الفكر الإسلامي وتوجه العقل المسلم نحو إنتاج الفكر المحقق لغايات الإسلام ومقاصده المنسجم مع كلياته وغاياته).

المحور الثاني: ويندرج تحته كل اجتهاد بشري أو إنتاج معرفي عقلي.

المحور الثالث: التربية والثقافة، وهي بناء الجانب الإنساني والاجتماعي من المعرفة وفق نسق معرفي وتربوي وإيجاد وسائل الترقي في الخصائص والصفات والآداب والفنون وتنمية الذوق العام، أو مجموعة المعارف التي تشكل الشخصية.

المحور الرابع: المدنية والعمران وهي مجموعة الإبداعات والانجازات التي تم في إطار وسائل الإنسان المادية.

وكل هذه المحاور بحاجة إلى إنتاج وتراكمات معرفية كثيرة، والطريق إلى ذلك يقتضي إثارة اهتمام مثقفي الأمة بهذا الإنتاج وإشعارهم بأهميته وأحقيته، وذلك باستدعائه على الساحة العقلية بمختلف المنبهات الحضارية وشحذ فاعليتهم لمباشرته.. وتربية وإعداد عناصر أو (كوادر) ذات كفاءة عالية قادرة على الانجاز فيه، وتقديم خطة معرفية ثقافية واضحة الأهداف والمنطلقات والوسائل، وقابلة للتطبيق على مراحل زمنية مدروسة ومرفقة بوضع معيار دقيق للتقويم والمراجعة والتصويب، بحيث تستطيع الأمة أن تسهم فيها من خلال الوسائل التربوية والتعليمة والإعلامية المقروءة والسمعية والبصرية ومؤسسات الثقافة الجماهيرية.

مكونات الواقع:

ثم يتناول د. طه جابر العلواني مكونات الواقع الإسلامي المعاصر بين القدرات والعقبات.. فيرى أنه يمكن تلخيص مكوناته التي تشكل مجالات العمل فيما يلي:

الرسميون: حيث يغلب على الاتجاهات الرسمية في العالم الإسلامي الحذر والتخوف من الوعي الفكري والإسلامي ومن الوعي الثقافي العالي.. وذلك يعود لعدة أسباب منها:

  • الصراع الحضاري الذي يدور على الساحة والاستلاب الحضاري الغربي المتمكن من مؤسسات الفكر والإعلام والتعليم والتربية، والذي يشكل الرسميون أعمدته الرئيسية.. لذلك فإن تقديم البديل الثقافي والمعرفي من المنظور الإسلامي، سوف يكون مغايرًا لسياسات كثير من النظم التعليمية والتربوية والثقافية المتحكمة، وهي نظم لا ترضى بمنافس أو مغاير لأطروحاتها في أي حال.. ومع ذلك فهناك كثير من رجالات الفكر والمعرفة والأكاديميين كل مشكلتهم أنه لم تتح لهم الفرصة لمعرفة الإسلام بشكل صحيح، ويودون إدخال النافع المفيد إذا اقتنعوا بصحته من خلال المؤسسات التي يقومون عليها.. ومن الأهمية بمكان حسن عرض القضية على هذه النوعية من الناس ليكونوا عوامل مساعدة لا عقبة في الطريق.. ولعل من أهم الأمور عدم تصنيفهم في مقابل البديل الإسلامي، وإحياء فطرتهم وإثارة نزوعهم الديني وتأصيله من الناحية الفكرية ليدخلوا قضايا الإصلاح الفكري والثقافي إلى مؤسساتهم.

اللا دينيون: وهم العلمانيون.. وقد تكون المشكلة في النظر إليهم على أنهم كتل أو تجمعات يجدي معها خطاب العامة.. ولا شك أن تلك النخبة ليست كلها مستعصية عن الاستجابة فإذا أحسن التعامل معها، ورسمت خطة طويلة الأمد.. واستطاع أصحاب المشروع الإسلامي حسن الحوار والمناظرة، فيمكن تحويل الكثير من أفراد هذه النخبة من الانحياز ضد الإسلام إلى الحياد، ثم إلى المناصرة والانتماء الفكري أو الحضاري إليه.. وذلك من خلال زعزعة قناعاتهم الفكرية والمعرفية بانتقاد الأسس المعرفية للحضارة الغربية نقدًا علميًا رصينًا محكمًا، وإعطائهم صورة صحيحة عن الإسلام وتشجيعهم على تصويب الخطأ ونقده.. خاصة أن آفة هذا الفريق هي عدم الاطلاع أو عدم المعرفة الصحيحة بالثقافة والفكر الإسلامي.. وبالفعل هناك نماذج تحولت في مرحلة النضج الثقافي إلى الاعتزاز بالفكر الإسلامي بعد أن كان يتنكر لها (منهم د. زكي نجيب محمود وقبله فصائل عباس العقاد).

فصائل العمل الإسلامي المتنوعة فمشكلة الكثير من الحركات الإسلامية الخلط بين القيم والمبادئ الإسلامية الثابتة أو ما يمكن أن نطلق عليه منظومة القيم والمبادئ المحفوظة بحفظ الله، وبين الاجتهادات الفكرية للمسلمين.. فالحركات الإسلامية –على الحملة- لم تتمكن بشكل كامل من حل هذه الإشكالية وربما يعود ذلك إلى ظروف الاضطهاد والمطاردة والتشريد والفتنة بكل أبعادها، لذلك نرى الطبيعة الفكرية لمعظم القيادات السابقة هي سيادة فكر التحصن والصمود والمواجهة والفكر التعبوي وجاء إنتاجها الفكري في الغالب كرد فعل لما تعاني مما يمكن أن نطلق عليه “فكر الأزمة”. كما أن الانحسار الإسلامي في مناطق الغرب الإسلامي وتغريب تركيا وانشغال معظم مسلمي دول العالم في جنوب شرق آسيا بهمومهم وتضاؤل دور مصر الإسلامي وبروز اتجاهات فقهية وتقنية وعقيدية في التيارات الإسلامية وانحسار المنظور الحضاري، وضعف الاهتمام بقضايا الصراع الفكري وإحساس الكثيرين من العاملين في الحقل الإسلامي بعدم الحاجة على الاجتهاد والإبداع.

كل هذا جعل معظم فصائل العمل الإسلامي تنظر إلى القضية الفكرية والأزمة الفكرية على أنها ترف فكري أو خطأ في تشخيص أزمة الأمة.

ومن هنا لا بد من نشر الوعي بين هذا القطاع من المخاطبين على مفهوم “ظهور الإسلام على الدين كله” و”عالمية هذه الرسالة” والعالمية تقتضي التمدد والانفتاح، لا الانكماش والانغلاق وأن يقدم الإسلام إلى البشرية كافة بحيث يكون خطابه صالحًا لسائر الحضارات والثقافات قادرًا على تجاوز الأطر الحزبية والقومية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *