[زهرة الخليج] 21 يناير 1986
نائب رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطون في حوار مع العلماء والشباب بالقاهرة
لكي تتحقق أسلمه العلوم والمعرفة مطلوب
- مساهمة الجامعات والباحثين والمفكرين في العالم الإسلامي.
- تيسير الوصول إلى تراث المسلمين.
- إعادة النظر في مناهج التربية والتعليم.
تحدث الدكتور طه جابر العلواني نائب رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن في الجزء الأول من هذا الحوار الذي نشرناه على هذه الصفحة في الأسبوع الماضي عن مفهوم “أسلمة” المعرفة، وذلك في الندوة التي نظمتها بالقاهرة جمعية مرضى روماتيزم القلب بالاشتراك مع الجمعية العربية للتربية الإسلامية وحضرها عدد كبير من العلماء والشباب وقد استعرض بداية وتطور العلوم الإسلامية منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام حتى اليوم وما نتج عن فصل العقل عن العلوم الشرعية من آثار على الفكر الإسلامي.
واليوم يستكمل حديثه مؤكدًا على واقع العالم الإسلامي الآن وتأزمه في تعامله مع الفكر غير الإسلامي سواء كان غريبًا أو شرقيًا ثم يطرح موضوع أسلحة المعرفة “كطريقة لعلاج هذا التأزم وسبل تحقيق هذه الغاية.
وعن وضع الأمة الإسلامية اليوم بالنسبة إلى حجم المعرفة التي تنوعت إلى فروع مختلفة تعالج كل شان من شئون الإنسان وسلوكه وحياته يقول نائب رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي لقد توقف المسلم على ما انتهى إليه جهده في القرن السادس الهجري وهو لا يملك سوى 11 علمًا هي كل العلوم الشرعية أما العلوم الأخرى فلم تجد حظها من التطوير وبالتالي لم تؤت الثمار المرجوة. أما الغرب فقد استفاد منها وحولها إلى عناصر فعالة في ثقافته المعاصرة. وظللنا نحن نتلمس طريقنا في سائر العلوم غير الشرعية من اقتصاد وتربية وعلوم تطبيقية وغيرها على ضوء ما يصل إلينا من الآخرين حتى علماؤنا لم نتحدث عنهم بالشكل المناسب إلا ونحن تابعون للغرب فابن خلدون على سبيل المثال لم نصفه بأنه عبقري في علم الاجتماع الا بعد أن وصفه الغرب بذلك.
علوم تحمل ثقافة غيرنا:
واستطرد يقول: إن العلوم التي تأتينا من الغرب لا تنفصل عن القاعدة الفكرية والعقائدية لها.. فهذه القاعدة كانت وراء كل فكرة سواء في مجال الاجتماع أو الاقتصاد أو التربية أو غيرها من العلوم. ونحن في نقلنا لهذه العلوم أصبحنا كما يقول ابن خلدون: “جيل المغلوب على تقليد الغالب” لأن هذا الغالب ما غلب إلا لما يتمتع به من صفات يتفوق بها على المغلوب.. أصبحنا مثل النصارى الأسبان حينما يقلدون المسلمين.. فقد كان القضاة المسلمون يلبسون “جبة” مكتوبًا عليها “لا إله إلا الله” ونفس الجبة كان يلبسها القساوسة القضاة تقليدًا لقضاة المسلمين –حتى أننا نعلم لأبنائنا هذه العلوم ورغم أن كثيرًا من التغيرات يحدث في أصل هذه العلوم في الغرب ولكن نقف نحن عند الحد الذي وصلنا إليه في بداية الأمر ونظل متمسكين به.
الطريق إلى إسلامية المعرفة:
والطريق إلى إسلامية المعرفة يتمثل في:
- إعادة ترتيب المعرفة الحالية: فالمعرفة اليوم تلغي الوحي، في حين أن الوحي عندنا كمسلمين أقوى من أي مصدر من مصادر المعرفة والوحي هو كتاب الله تعالى وما صح من سنة نبيه –صلى الله عليه وآله وسلم- وقد ثبت بالإعجاز والإعجاز دليل عقلي معروف فقد تحدى الله أن يأتي أحد بآية من القرآن الكريم ولكن الثقافة الأخرى المقدمة لنا تعتبر الوحي والخرافة بمعنى واحد وهذا أمر يرفضه قلب المسلم وعقله وعقيدته.
- وأما موضوع العقل والنقل: فقد دار صراع بين الاشاعرة والمعتزلة حول “العقل والنقل” وكانت النتيجة أن عزل العقل في علاقته بالنص وذلك يخالف ما أمر الله به ونحن لا نريد أن نجعل العقل حاكمًا على النص ولكن نريده أن يتبوأ مكانة أرادها اله ولعل في تصارع الفرق في قضية السببية خير دليل على عدم تفهم الكثيرين لدور العقل فقد وصل المر على أن اعتبر البعض القول بالأسباب نوعًا من الإشراك بالله والمسألة واضحة كما بينها الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم- في قوله (أعقلها وتوكل).
إن شريعة الله نزلت لتكون منهاج حياة فيقول الله تعالى (ما جعل الله في الدين من حرج) وبالتالي فغن هناك مقاصد لشريعة الله كما أن هناك أمورًا لا بد من إدراكها وإن كان هذا شيئًا يتعلق بالمنهج المستخدم أما بالنسبة للمعرفة فنحن بحاجة إلى:
- إعادة النظر في تراثنا وفي مقدمته كتاب اله وسنة نبيه فلا ننظر إليهما باعتبارهما مصدرًا للمعلومة الفقهية فقط وإنما مصدر لجميع أنواع المعرفة.
- العمل على تيسر الوصول على تراثنا الإسلامي على مر العصور.
- النظر في الفكر المعاصر في حجمه الطبيعي لا نظرة الإعجاب ولا نظرة الرفض ولكن نظرة الناقد البصير الذي ينشد الحكمة ويتبع ذلك إعادة النظر في مناهج التربية والتعليم وجميع العلوم مهتدين بهذه المنهجية.. إذا استطعنا أن نقوم بذلك نقول أننا وجدنا التبديل الثقافي وأوجدنا إسلامية المعرفة.
إسلامية العالم:
وفي نهاية الندوة ثارت عدة تساؤلات حول ما يمكن أن نطلق عليه (إسلامية العالم) –إذا جاز التعبير- وهل ينبغي أن تتحقق قبل إسلامية المعرفة أو العلوم وعن هذا التساؤل قال د. العلواني: لا يمكن “اسلمة” علماء بدون أسلمة علوم فلا بد من أسلمة العلوم لتوجيه العالم المسلم كما انه لا بد أن يكون هناك عالم مسلم واع لكي تتحقق وتستمر اسلمة العلوم.. والحقيقة أنه يجب أن نبدأ بالعمليتين معًا.. فيجلس العالم الشرعي إلى جانب العالم المتخصص في العلوم الاجتماعية أو التطبيقية ليعودوا على كتاب الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وآله وسلم- ليس بهدف استخراج “خلطة” ولكن من اجل الخروج بمعرفة إسلامية واعية وحقيقية.. فعملية اسلمة المعرفة عملية طويلة المدى قد تستغرق العديد من السنوات بل أجيالاً من أجل تحقيقها وبالتالي فغن كل باحث مسلم مطالب بالإسهام في هذه العملية بغض النظر عن التخصص الذي ينتمي إليه كما يقع الدور الأساسي على عاتق الجامعات والمعاهد القائمة في بلدان العالم الإسلامي.
وحول تحفظ السيد نصر عارف المعيد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية حول مدى دقة كلمة “تراث” التي أطلقها د. العلواني على الكتاب والسنة، قل أن كلمة تراث مشتقة من ورث ويقول الحق في سورة فاطر: [ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ] فإذا كان غيرنا قد سرق هذا التعبير (تراث) وأعطى له مدلولات مغايرة فمن غير المعقول أن ننقاد وراءهم بل يجب أن نحافظ على مفاهيمنا.