Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الطائفية الدينية

برنامج الشريعة والحياة

أ.د/ طه جابر العلواني

   27-11-2011      

 

يقول الله تعالى: (واتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً)

ما مفهوم الطائفية؟ وكيف نفهم دوائر الانتماء للطائفة والوطن والأمة؟ وهل الخوفُ من تهمة الطائفية يَحظرُ النقدَ أو يوجِبُ التسترَ على الوقائع؟

 

 المحور الأول: تحديد المفاهيم

المحور الثاني: التعدد والتنوع والانتماء

المحور الثالث: تطبيقات التعدد والتنوع

 

المحور الأول: تحديد المفاهيم

  1. الطائفة .. الطائفية، ماذا نعني بذلك؟ وهل هناك فرق بين الكلمتين؟

لعلَّ موضوع «الطائفيَّة» واحد من الموضوعات التي شهدت نوعًا من الخلط المفاهيميِّ والتداخل في المعاني والاصطلاحات . فنجد الخبرة التاريخيَّة للكيان العربيِّ -في العصور الإسلاميّة المختلفة- وطرائق فهمها وبنائها لتلك المفاهيم خبرة لها إطارها، وهي تختلف عن خبرة العربيِّ قبل الإسلام، ودلالات هذه المفاهيم في ذهنه، وهو يتناول كلمة «طائفة» وما يتصل بمادتها اللُّغويَّة. وكذلك الخبرة الأوربية -في عصورها المتعددة- جعلت لها إطارها الخاص، خصوصًا ما قبل نشأة الدولة القوميَّة، وهي خبرة تختلف -كذلك- عن الخبرة العربيَّة في المرحلتين. وكل تلك الخبرات قد أسهمت -بدور أو بآخر- في ازدياد الالتباس وتراكم الغيوم حول هذا المفهوم حتى لا نكاد نصيب من الحقيقة التي يقوم مفهوم «الطائفيَّة» خاصَّة عليها شيئًا يُذكر.

مفهوم «الطائفية» مفهوم مشتقٌّ من جذر متحرك، فهو مأخوذ من «طاف يطوف طوافًا، فهو طائف» فالبناء اللفظيّ يحمل معنى تحرُّك الجزء من الكل دون أن ينفصل عنه، بل يتحرك في إطاره، وربَّما لصالحه:.﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (التوبة:122). وهو -أيضًا- مفهوم يُشير إلى عدد قليل من البشر؛ إذ لا يتجاوز –لغةً- الألف من الأفراد، ومن ثَمَّ فإنَّ هذا المفهوم -في جوهره- يتضمن فكرة الأقليَّة العدديَّة الصغيرة المتحركة في إطار الكل، المشدودة إليه، بغضِّ النظر عن دينها أو عرقها أو لغتها… إلخ، فهو مفهوم كميٌّ عدديٌّ لا غير؛ لذلك ظلَّ اللَّفظ يُستخدم ليُشير إلى كيانات مختلفة متعددة في خصائصها، ولكن القاسم المشترك بينها هو القلة العدديَّة.

 ولم يبرز هذا المفهوم -باعتباره إشكاليَّة أو أزمة- إلا في القرنين الأخيرين خاصَّة، وذلك تحت تأثير عوامل داخليَّة وخارجية في ظرف تاريخيٍّ معيَّن، ساعد على إحداث نوع من التطابق بين الأمراض الداخليّة والمؤثِّرات الخارجيّة، فالعربيّ تعامل مع اليهودية والمسيحية. والإسلام تعامله مع اختلافاتٍ اعتقاديَّة لا تعني المفاصلة والعداء، أو تهديد وحدة الكيان والخروج عنه، أو محاولة الانتماء لكيان آخر خارجه، أو السعي للانفصال عنه فقط بحجَّة الاختلاف في العقيدة، ومن أقدم النصوص العربيَّة الإسلاميَّة في هذا المجال «وثيقة المدينة».

ثم مُزج مفهوم «الطائفة» ذات المكوِّن العدديِّ مع مفاهيم أخرى ذات مضمون فكريٍّ أو فلسفي أو عرقيٍّ أو مذهبيٍّ أو دينيٍّ، فتحوَّل إلى ما يُشبه «المصدر الصناعيَّ» في لغتنا ليُفيد معنى «الفاعليَّة الخاصَّة بالأقليَّة» العدديَّة، والمنفصلة عن «فاعليَّة الأمَّة»، وبذلك أصبح مفهوم الطائفة يُستخدم بديلا لمفاهيم «الملة» و«العرق» و«الدين» التي كانت سائدة قبل ذلك، واختلطت هذه المفاهيم -جميعًا- في بيئة متأزِّمة فكريًّا وسياسيًّا، مأزومة ثقافيًّا، فأنتجت مفهوم «الطائفيَّة» باعتباره تعبيرًا عن حالة أزمة تعيشها مجتمعات عربية وإسلامية تكاد تكون شاملة لمجموع المحيط العربيِّ والإسلاميِّ كله؛ مثل لبنان والعراق واليمن وسوريا والسعودية ودول الخليج وإيران والباكستان وأفغانستان.  حيث تحوَّل الجزء إلى كلٍّ والبعض إلى كيان مستقلٍّ، وأصبحت «الطائفية مذهبًا وأيديولوجية وهُويَّة» حلت محل الـهُويِّات الأخرى والانتماءات الأعلى، بل وبدأت تتعالى عليها، وقد تُبدي الاستعداد للتقاطع معها، وأخذ موقعها، وإلغائها إذا اقتضى الأمر.

 

  1. حينما يقال: فتنة طائفية، أو يُتَّهم أحدٌ ما بأنه طائفي، فما المعنى المقصود؟ لأن الطائفية أصبحت كلمة رجراجة، وتُطلق أحيانًا للابتزاز! أو على مجرد إبداء أي نقد لممارسات بعض الدول أو الأنظمة التي تنتمي إلى الأقلية، كانتقاد إيران، أو رموز النظام السوري، أو الكنيسة القبطية في مصر مثلا.

إذا اعتلت طائفة ما كرسي السلطة، وأدرجت مفاهيمها الطائفية في نظام حكمها، فإنّ من حق أي أحد من أبناء الأمة أن يوجه لها من النقد حسب ما تقتضيه ممارساتها.

وليس للطائفة الحاكمة أن ترفع سلاح “المقدس” سواء الديني أو المذهبي لإسكات المعارضين لنظام حكمها.

 حينما يُتَّهم أحدٌ ما بأنه طائفي فالمقصود: إسكاته بنوع من الإرهاب الفكري القائم على وصفه بوصف المتحيز يشير  إلى اتصافه بالغلو والتطرف والتعصب ونفي الآخر.

الأصل في القائمين على قيادة الشعوب وصناعة القرار أن يكونوا للشعب كله أو للأمة كلها بقطع النظر عن انتماءاتهم هم العشائرية أو المذهبية والطائفية.

فحينما تستبد طائفة ما بالسلطة في إقليم أو قطر وتنفرد في التصرف بمقدرات ذلك الإقليم وتصادر حقوق الآخرين في التعبير عن أنفسهم أو المشاركة في صناعة القرار فيما يتعلق بمصائرهم كما يحدث في بلدان كثيرة مثل سوريا والعراق وإيران فإن القائمين على السلطة ينبغي لهم أن يدركوا بأن وجودهم في السلطة واستبدادهم بها يعطي الحق لأي مواطن في بلدانهم أن يوجه لهم النقد على ممارساتهم وسياساتهم وأساليبهم في صناعة القرار وقيادة الناس وليس من حقهم إذا ما ضايقهم النقد أن يحتموا بالمقدس الديني أو المذهبي ويخلطوا الأوراق دفاعا عن تلك السياسات أو التصرفات. وبالتالي فليس من حقهم اتهام معارضيهم السياسين بالطائفية أو الخروج عن الدين أو المذهب أو التقليل من شأن مذهب ما لمجرد أنه قد انتقد تصرفات سياسية تستحق النقد والمناقشة.

المحور الثاني: التعدد والتنوع والانتماء

  1. العالم العربي بشكل عام متنوع دينيًّا ومذهبيًّا، كيف ترون هذا التنوع والتعدد؟ وهل من ضرورة للحفاظ عليه، وبأي معنى؟

التنوع ميراث منبثق عن فلسفة الإسلام وكونه الديانة الخاتمة التي تنزع إلى ضم البشرية كلها في إطار سلمي يعتمد على التعارف والتعاون، وإنّ التاريخ العربي يشهد بثمار هذا التعاون.  وكما بيَّن لنا التاريخ لم يكن التنوع عنصر تهديد لوحدة الكيان العربي، أو مسوغا للتمايز والانفصال والتمزُّق بين أبنائه، أو وسيلة للاختراق من قِبل الآخر، فالمسيحيُّون العرب لم يُعلنوا -على سبيل المثال- مناصرة الصليبيِّين في حملاتهم على البلاد العربية، ولم يتحالفوا معهم حتى في لحظات انكسار المسلمين.  

 وبهذا المفهوم فإنّ التنوع ضروريٌّ، فيجب الحفاظ عليه، وبناء جسور للتواصل والتحاور بين الطوائف المختلفة للوقاية من الأعراض الجانبية للتنوع.

أما عن الشق الآخر في السؤال وهو هل من ضرورة للحفاظ عليه: أقول إن التنوع والاختلاف أمر لا يمكن إنهاؤه لأنه قد دخل في نسيج هذه الشعوب وأصبح جزء لا يتجزأ من ثقافتها وهويتها وتكونيها النفسي والعقلي بل هو جزء من الخَلْق ((وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)) ولكن على هذه الشعوب أن تتعلم كيف تجعل من هذا التنوع عامل إيجابي في استقرارها وأمنها وتقدمها وتتخلص من سائر السلبيات والأعراض الجانبية فيه.

 

  1. التربية الدينية قامت على أن رابط الدين مقدَّم على كل شيء، والمقصد الأول من مقاصد الشريعة هو حفظ الدين، هل يعني هذا أن الانتماء للدين مقدَّم على أي انتماء آخر؟

انتماؤنا الأول لآدم، وآدم من تراب. والدين في الأصل في خدمة الإنسان وتزكيته وتطهيره.

يفترض أن الانتماء إلى الدين مقدم على أي انتماء آخر ولكن الطائفية السياسية لا تعرف هذا ولا تؤمن به. ويفترض بالطائفي إذا حكمنا المنطق والعقل أن يكون متدينا أولا ثم يكون عنده نسبة من الولاء أكبر للمذهب أو المقولة أو الرأي على اعتبار أنه الأقرب إلى الدين وإلى مصادره، لكن الطائفية السياسية خرقت كل القواعد فهي قد تجاوزت الدين أي الإسلام والمسيحية معا فالبعثي يقول:

 آمنت بالبعث ربا لا شريك له *** وبالعروبة دينا ما له ثان

ولا شك أن هذا إعلان لرفض التوحيد والعقيدة كلها وإشراك الحزب والطائفة بالله –تبارك وتعالى- أو استبدال الخالق –جل شأنه- بالحزب والطائفة، وهنا يصبح الكلام عن الدين والانتماء الديني من فضول القول، فالدين هنا كله موظف لدى الطائفية السياسية بدرجة من الدرجات علت أو سفلت، ومن المؤسف أن يتساهل مراجع وعلماء لأسباب كثيرة مع هؤلاء ويسمحون لهم باستخدام العباءة الدينية ومنحهم نوعا من التأييد والشرعية ويمكن النظر في الحالة العراقية والإيرانية والباكستانية والأفغانية وما إليها، فالطائفية السياسية تصور أحيانا المخالف الطائفي بصورة العدو الحقيقي فبين الحين والآخر تكشف وثائق عن ضلوع الطائفية السياسية في تأييد احتلال أفغانستان والعراق والتحريض على باكستان الآن وعدم الحياء من رفع شعار أمن إسرائيل مقابل أمن النظام في الجارة العزيزة سوريا.

 

  1. إذًا كيف يمكن لنا أن نفهم دوائر الانتماء للوطن، مع اختلاف الدين والمذهب؟

دوائر الانتماء متتالية ومتكاملة، وليست متعارضة متنافرة. وتقديم أحدها على الآخر هو بحسب الموقف العام الموجب لتقديم دائرة وتأخير أخرى، والتقديم والتأخير هنا أقصد به الظروف المتغيرة، فهناك حالات سلم وحالات حرب، وهناك تهديدات للعرض، أو المال، فعلى علماء الأمة أن ينبهوا الشعوب إلى أولوياتها بين الحين والأخر، والتقديم في الدفاع والأولوية في هذا الشيء المعرض للخطر في ذلك الوقت.

  1. حينما تتحدثون عن (الأمة الإسلامية)، ما موقع المواطنين غير المسلمين من هذا الخطاب؟

غير المسلمين كانوا ولا يزالون في موقع القلب من الأمة المسلمة. واختلاف الدين لا يضر بحقوقهم ولا بواجباتهم. هذا الخطاب له عدة جوانب جانب ديني وجانب ثقافي والذين لم يتخذوا الإسلام دينا في المجتمع هو بالنسبة لهم هو جزء من الثقافة، وسواء كان الخطاب يحمل اتجاها ثقافيا أو دينيا فجميع المنتمين إلى ذلك الكيان الاجتماعي مخاطبون به فلا يتأتي هذا القول.

 

  1. الطائفية من ضمن معانيها تقديم الطائفة على ما عداها، واعتبار الانتماء الطائفي أولوية يتم الولاء والانحياز والتوظيف في العمل والدعم والتعاطف على أساسها دون أي اعتبار آخر، كيف يمكن الخروج من هذا المنطق الطائفي؟

يمكن الخروج من هذا المأزق بنشر ثقافة الولاء للكفاءة على حساب الولاء للطائفة عن طريق وسائل الإعلام، ودور العبادة من ناحية، وتبني سياسة التحيز للكفء من قبل النظام السياسي، وبالتدريج ستقل الممارسات المتحيزة لابن الطائفة إلى أن تختفي.

 

المحور الثالث: تطبيقات التعدد والتنوع

  1. هل المسؤولية الأخلاقية والدينية والجزائية للإنسان تترتب على (انتمائه) أم على (ممارساته وأفعاله) بغض النظر عن انتمائه؟

تترتب المسؤولية الأخلاقية والدينية على ممارسات الإنسان وأفعاله، وليس على انتمائه.

  1. لماذا تختلط الأمور الآن بين المسلمين؟

نتيجة الجهل وسوء الفهم من ناحية، وقسوة القلوب والتخلف وتفكك الأمة من ناحية أخرى، فأصبحت الانتماءات الفرعية تأخذ موقع الأصل على حساب الانتماء الأوسع والأشمل. وانشغال بالقضايا الزائفة عن القضايا الحقيقية في الأمة.

 

  1. مسألة الطائفية الدينية في العالم العربي لا تكاد تخبو حتى توقَد من جديد، في لبنان، ثم في العراق، والآن في مصر، أما في سوريا فيحذّر مؤيدو النظام السوري من مصير مثل مصير العراق فيما لو سقط النظام!. والبعض يتحدث عن مخاوف من (حرب أهلية). كيف ترون المستقبل بعد سقوط النظام؟

لا أتوقع أنّ سوريا سوف تعاني مثلما عانى العراق، لفروق كثيرة في مقدمتها وجود احتلال أجنبي في العراق استقطب طائفة ووضعها في مواجهة الطوائف الأخرى، ليصل إلى تحقيق أهدافه. ومن الجلي أن هذا غير موجود في سوريا. والفرق الثاني أنّ لسوريا تاريخ مشترك بين الطوائف، حيث ساهمت الطوائف السورية المختلفة  في حرب التحرير ضد الاحتلال الفرنسي. وعلى السوريين أن يذكروا أنفسهم بتلك الأيام والفضائل المشتركة لكي يقاوموا السخائم والأحقاد التي أثارتها النعرات الطائفية.

 

  1. النظام السوري يلعب على وتر “التخويف على مستقبل الأقليات” وأنه هو الضامن والحامي لهم. وكلام البطريرك اللبناني بشارة الراعي يصب في هذا الاتجاه، إذ إنه يتخوف على المسيحيين فيما لو سقط النظام. ومثل هذا الكلام يقال عن العلويين في سوريا. كيف ترون المسألة؟

هذه المخاوف والتخويفات وهمية ومصطنعة، وليست حقيقية بالتأكيد. ومصدرها الأنظمة الحاكمة التي لا تفتأ تتذرع بجميع الحجج لتدعيم بقائها ووجودها، واستمرارها. إن النظام السوري يحاول الآن أن يستثمر ويستغل اهتمام أمريكا المطلق بأمن إسرائيل فيحاول بعد أن سقطت فكرة التخويف من البعبع الإسلامي ومجيئ الإسلاميين إلى السلطة أن يستدر عطف الولايات المتحدة ويحيد موقفها ببيان أنه سيكون الضمانه الأساسية في المنطقة لأمن إسرائيل، وهذه حجة لا قيمة لها ولا تقل تهافتا عن التخويف بموضوع الإسلاميين، فجميع الحروب التي دارت مع إسرائيل منذ الثامن من أزار 63 وهو يوم استيلاء حزب البعث بمركباته الطائفية في الشام خاضت سوريا بقيادة أسلاف بشار الأسد الحرب ضد إسرائيل وخسرت الجولان، وإسرائيل وأمريكا يعلمان العلم كله بأن حزب البعث مهما أعلن أو أكد لا يمكن أن يؤتمن على أمن إسرائيل وأنه لا يقول ذلك إذا قاله إلا على سبيل الانتهازية والابتزاز.

  1. هل هناك مخاف حقيقية بالنسبة للمسيحيين وغيرهم؟

المخاوف وهمية وليست حقيقية كما أوضحت من قبل. وإنّ النظام سيعجز عن تقديم سوابق تاريخية عن اعتداء مسيحيين على مسلمين في سوريا العزيزة أو العكس. والأخطار على هذه الطوائف في ظل الأنظمة الشمولية أكبر بكثير من أية أخطار محتملة أخرى، فالأنظمة الشمولية خطر حقيقي على هذه الأقليات لا يمكن أن نجد له ما يقلل من شأنه.  

  1. التخوف يكون بناء على تجارب سابقة، فهل هناك تجارب تاريخية سابقة وقع فيها اضطهاد الأقليات في العالم العربي؟

لا نستطيع أن نصف تاريخ العالم العربي بالنقاء الكامل. لقد حصل بعض سوابق الاضطهاد  في فترات معينة في التاريخ نتيجة عوامل داخلية وخارجية، حتّى في داخل الطائفة الواحدة. مثل النزاعات التي حصلت بين الشافعية والحنابلة. وبين المعتزلة والأشعرية. وهذه السوابق موجودة في تواريخ الأمم جميعها. مثل الحرب الأهلية الأمريكية (1861_1865) والحروب الدينية في أوروبا العصور الوسطى.

  1. الطرح يقوم الآن بناء على افتراض مستتر أن الأنظمة القائمة شكلت ضمانة للأقليات. ما صحة هذا الافتراض؟

هذا خطأ. الأنظمة لم تشكل ضمانة للشعوب كلها وربما يمكن استحضار نموذج كنيسة القديسين في الاسكندرية التي اتهم فيها المسؤولون في النظام السابق في حين أن النظام السابق قبل سقوطه كان يحاول التأكيد أن إسلاميين قد فعلوها أو أمثال لهم.

  1. ما موقفكم من بعض الأصوات التي قد تقع في التحريض ضد بعض الطوائف أو المذاهب، سواء داخل الإسلام أو بين الإسلام والمسيحية؟

أصوات نشاز لم يعهدها الإسلام، ولا تخدم الإسلام في شيء. كما أن استغلال العامة من قيادات الطائفية السياسية لا يقف عند حد فهم يحاولون النفاذ إلى إشغال الشعوب ببعضها وتمزيق وحدتها الوطنية وإبقائها في حالة من اللاوعي تسمح بإطالة عمر تلك الأنظمة الشمولية وإبقائها في الميدان.

16. هل من كلمة أخيرة توجهونا للناس بخصوص المسألة الطائفية والفتنة المستترة وراءها أو للفتنة التي تتمسح بها؟

نحن متعايشون منذ القدم، وهذا حال العالم العربي والإسلامي. الشيعي إلى جانب السني، والمسيحي إلى جانب المسلم، والدرزي إلى جانب السني. فلا مخرج من اعتراف جميع الطوائف ببعضها، وعل كل طائفة أن تحمي حقوق الطائفة الأخرى وإنصافها بنفس الحماسة التي تحمي بها حقوقها الخاصة. وأن يكون الحوار دائما ومستمرا بين قيادات هذه الطوائف للحيلولة بين الطائفية السياسية واختراق هذه الجبهات، والله أعلم.

معتز الخطيب

لندن 24-11-2011

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *