أ.د/ طه جابر العلواني
إنَّ الله (تبارك وتعالى) قد قال: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ (القمر:17)
وهذا التيسير الإلهي قد اقترن بدعوة وحضّ للمتذكرين الذين يبدو القرآن المجيد (بفضل الله سبحانه) وكأنَّه ينتظرهم ليقبلوا على الاستفادة من ذلك التيسير الإلهي للقرآن المجيد، إذ لولا ذلك التيسير الإلهيّ لما تمكَّن إنسان من العروج إلى معاني ذلك الكتاب الكونيّ المعجز؛ فالحمد لله الذي أنزل القرآن على قلب نبيِّه، وأمره بتلاوته علينا، وتعليمنا آياته وحكمه ويسّر لنا أن نزكي أنفسنا به بعد تعلم تلاوته وترتيله وكيفيَّة تدبُّر آياته. فالقرآن لا يمتنع عن متدبِّر تالي مرتل طهّره الله (تعالى)، فكما ييسر الله (تعالى) القرآن للذكر يطهّر قلب التالي المتدبِّر لمسّ معانيه.
فحين تُقبل على القرآن للقراءة مصطحبًا كل ما ذكرنا فابدأ بمحاولة معرفة عمود السورة الأساس أهو التوحيد أم التزكية أم القرآن أم الرسول والرسالة أم استبدال أمَّة أو أمم بأخرى أم الشريعة والأحكام، فإذا حددت ذلك ولو على وجه التقريب فذلك سيعينك على فهمها بشكل إجمالي.
حين تبدأ بقراءة نجومها نجما بعد الآخر فستكون لديك القدرة على الكشف عن شبكة العلاقات بين آيات السورة ونجومها وربطها بعمود السورة الأكبر وستجد تيسيرًا كبيرًا في الفهم وإدرك المعاني.
فإذا فرغت فاكتب كل ما تحصل لديك من قراءتك الأولى ثم أعد القراءة مرّة ثانية وثالثة ورابعة وسوف تجد أنَّ قوى وعيك قد بدأت تنفتح على القرآن وينفتح القرآن عليها، وفي كل مرة سوف تزيد المعاني التي تستفيدها، فاكتب ما جد على فهمك وزاد بعد كل قراءة إلى أن تشعر أنَّك قد بلغت من السورة.
فإذا أردت بعد ذلك التركيز على جزء من السورة أو نجم من نجومها فواصل قراءته بالطريقة نفسها وتدبَّر بإمعان ذلك حتى يزول قلقك وتصل إلى نوع من الارتياح بأنّك قد شفيت نفسك وحصلت على إجابات لأسئلتك.
احذر الملل من تكرار القراءة فإنَّك إن واجهت القرآن بالملل ملّك القرآن وأعرض عنك.
وإذا لم يفتح الله عليك بعد تكرار القراءة فأنت في حاجة إلى أن تتفكر في نفسك، وتتفقد قوى وعيك، وهل أعطت من التركيز ما يناسب؟ هل راجعت الكلمات التي لم تألف معانيها لغويًا في قاموس أو معجم أو تفسير؟
كذلك عليك أن تتفكر فيما إذا كانت السورة والنجم من “المحكم أو المفصل” فتبدأ البحث المفصل بعد تحديد المحكم لتراجع المفصل في سائر سور القرآن لتستعين بذلك على فهم ما أحكم.
كما أنّك في حاجة إلى معرفة عادات القرآن المجيد في الحذف والإضمار والوقف والابتداء لتستطيع معرفة ما إذا كان هناك حذف لابد لك من تقديره تقديرًا مناسبًا، فذلك سوف يعينك كثيرًا على الفهم وحسن التدبُّر.
وهناك مداخل عديدة للقراءة ومقاربة القرآن ذكرنا عددًا منها في سلسلة “دراسات قرآنيَّة” احرص على معرفتها واستعمال أنسبها لما تطلب.