أ.د/ طه جابر العلواني
قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ (البقرة: 30-33).
ولإلقاء مزيد من الضوء على تعليم الله الأسماء كلّها نقول:
“وعلم آدم الأسماء كلّها” يقول الله (سبحانه): ﴿… وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ (الإسراء:85) أي بالنسبة إلى علم الله (تبارك وتعالى) الذي أحاط بكل شيء علمًا ﴿ … أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ (الطلاق:12) وأول هذا العلم القليل الذي أتاه الله لآدم وبنيه من بعده وعلمهم إياه “علم الأسماء” وانطلاقًا من علم الأسماء عرف أنَّ الله ربه وإلهه، وأنَّه واحد أحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، وبعلم الأسماء عرف الزوج والأب والأم والأخ والأخت، وكيف يحول الله بقدرته وإرادته “النفس الواحدة” إلى أسر وشعوب وقبائل، وانطلاقًا من علم الأسماء عرف الإنسان الأرض التي خلق منها ثم استخلف فيها فهي أمنًا: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ (طه:55) وعرف السماء والشمس والقمر والنجوم والسحاب والماء والطعام. في ابتداء هذه السورة ذكر الله (تعالى) ﴿الم﴾ (البقرة:1) وقد قلنا: إنّ أكبر النعم وأهمها أن ألهم الله (عز وجلّ) الإنسان كيف يقطّع صوته إلى أحرف، ثم يأتي قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا﴾ ليبيّن لنا تمام النعمة وكمالها بصياغة الأسماء من تلك الحروف وتعليم آدم ذلك –كلّه- وفي آية أخرى يبيّن (سبحانه) أنَّ الأسماء ليست سواء، فهناك أسماء أنزل الله بها سلطانًا، وأسماء لم ينزل بها سلطانًا: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى﴾ (النجم:23) والآية الكريمة تنبّه بقوله تعالى: “كلها” إلى أنَّ مفهوم “الأسماء” مفهوم شامل عام غير محصور بنوع معيّن من أنواع الأسماء أو “المدلولات” التي تدل عليها الأسماء، فالاسم عند ذكره يستدعي إلى التصور مدلوله الذي استعمل الاسم للدلالة عليه وإفادة تصوره؛ فقوله (تعالى): ﴿الأَسْمَاء كُلَّهَا﴾ أي الأسماء التي تستدعي جميع المخلوقات وسائر الظواهر التي تتناولها العلوم والفنون بمراتبها ومستوياتها، وهي أسماء من شأنها أن تمكن آدم من حسن الخلافة في الأرض والقيام بها على الوجه الأكمل والأتم ويستطيع أبناء آدم وخلفاؤه من بعده أن ينحو نحو ذلك ليضعوا باجتهادهم أسماء لما يستجد، أو يكتشف من مسميات ومدلولات وإذا كانت الأسماء تستدعي عناوين المعاني والمدلولات، وتفيد تصوّرها فإنَّ تلك المسميات والمدلولات تحتاج إلى دراسات وعلوم تكشف عنها وتبيّن حقائقها وذلك ميدان الفعل الإنساني وفاعليّته، وهما جوهر مهمة الاستخلاف، ووسيلة العمران.
لماذا بدأ بتعليم الأسماء؟
لقد بدأ القرآن المجيد بالأمر بقرائتين والجمع بينهما، والقراءة أول فعل يقوم الإنسان به حيث يبدأ الإنسان أول ما يفتح عينيه بقراءة وجه أمه وثديها الذي هو مصدر غذاؤه، ثم يبدأ بقراءة ما حوله، ويظل يتدرج ويرتقي في سلم القراءة حتى يبلغ مستوى القدرة على قراءة المكتوب إذا علم.
والاسم كلمة جمعت من تلك الأحرف المقطعة من الصوت فهي لفظ أو كلمة صوتيَّة يسند إليها الفعل أو الخبر فتكون جملة فعليَّة أو أسميَّة.
والاسم يلحقه التعريف والتنكير، فقد يكون اسمًا علمًا على شخص أو شيء وقد يطلق ليندرج تحته ملايين المدلولات أو الأشياء، والأسماء تعبر عن ذلك كله.
والأسماء تميز المعارف والمعلومات، وتساعد الإنسان على تصور مفردات المعرفة دون أن تكلفه معرفة التفاصيل حقائقها إلا إذا أراد التخصص فيها، فمعرفة الاسم مدخل إلى عالم المعرفة الفسيح ومفتاح لها. والاستدلال على وجود الخالق العظيم ووحدانيّته وإبداعه في خلقه وعنايته بهم.