Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

السلفية

 

أ.د.طه العلواني

كثر الحديث في العقود الماضية عن “السلفية” وتَجدد ، واستُدرج بعض الباحثين للكتابه فيها فكتب الأستاذ الدكتور/ فتحي عثمان كتابه “السلفية” وكذلك سعيد رمضان البوطي -يرحمه الله- “السلفية حركة مباركة ظهرت ثم زالت” كما كتب في المغرب عبد الهادي أبو طالب عن “سلفية المغرب ” واعتبر إمام السلفية المعاصرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب – يرحمه الله – الذي حارب الدولة العثمانية في أيامها الأخيرة قبل أن تلفظ أنفاسها بعد أن حظيت بحرب الصفويين في القرن السادس عشر الميلادي الذين مهدت حربهم لإشغال دولة آل عثمان عن فتوحاتها في  أوربا وتحويلها إلى فريسة سهلة للهجمات الأوربية التي انتهت بإسقاطها في أوائل القرن الماضي ورثى الخلافة أمير الشعراء شوقي بقصيدته المشهورة في ذلك ومنها:

ضجـت عليـك مـــآذن ومنابــــــر

وبكـــت عليـك ممــالـك ونـــــــــــواحي

الهنـد والهـة ومصـــر حـزيـنــــة

تبكـــي عليـك بمـدمــع سحـــــــــــاحِ

والشـام تسال والعــراق وفــارس

أمحــا من الأرض الخـلافـة مـــــــاحي

 

وبريطانيا هي التي قادت أعداء آل عثمان في حربهم ضدها إلى أن سقطت بذلك الشكل المريع ومنذ ذلك التاريخ والمسلمون عاجزون عن إقامة أي نظام وحدوي أو تكافلي أو تضامني .

والقرآن المجيد الذي تركنا على المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك قد بين لنا بوضوح من هم “السلف الحقيقيون” لهذه الأمة الذين يستحقون هذا اللقب الشريف فقال (جل شأنه):

] وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[ (التوبة:100)، ثم بين (جل شأنه) في آياته في سورة التوبة أقسام الناس بالنسبة لهؤلاء السابقين الأولين الذين يستحقون وحدهم لقب سلفًا لهذه الأمة يقتدى بفعالهم ويمثلون نقاء جيل التلقي عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ولذلك قال (جل شأنه):] وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ * وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[ (التوبة:101-102)، ]وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ[  (التوبة:106-108)

فسلف هذه الأمة وهم السابقون الأولون هم الذين أسسوا بنيانهم على تقوى من الله ورضوان وهم خير من هؤلاء الذين أسسوا بنيانهم على شفا جرف هار وسينهار بهم في نار جهنم.

أما أتباع السلف فهم من ورد ذكرهم في الآية:] إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ[ (التوبة:111-112)،  ففي سورة التوبة بيان شاف لمفهوم السلف والمراد بهم وأصنافهم ومواقعهم من بقية أهل الإيمان؛ ولذلك فإن هذه السورة الكريمة هي العمدة وهي الأساس في بيان من يستحق أن يوصف بالسلفية ومن لا يستحق أن يوصف بها سواء أكانوا من أهل المشرق أم من أهل المغرب.

 وأما حديث خير القرون[1] لا يعتمد عليه في إحداث تصنيفات كهذه لفصائل الأمة .والقرآن كافٍ شافٍ في هذا المجال، فلنتفق أولًا على المفهوم وعلى المصدر الذي يؤخذ المفهوم منه وبعد ذلك ليدّعي من شاء الإنتساب إلى السلف إذ انطبقت عليه مواصفاتهم القرآنية أو الإنتساب إلى غيرهم إن لم تتوافر فيه هذه المواصفات وآنذاك يكون إدعاؤه الإنتساب إلى السلف نوعًا من الأماني لا يقوم عليه دليل من كتاب الله (جل شأنه).

فالسلفية مرتبطة بالهجرة وببيعات المؤمنيين لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- كما بينتها الآيات الكريمة، وهي مثل الهجرة التي وضع رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم – لها نهاية حين قال: ” لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ “[2]. فالسبق والسلفية مؤقتة بتلك المرحلة المباركة مثل الهجرة فلاداعي لأن يمزق المسلمون راية سيدنا إبراهيم ويقسمون أنفسهم إلى تلك التقسيمات التي لم يرد بها دليل معتبر فالله قد أخبرنا بأن سيدنا إبراهيم هو من سمانا المسلمين فالصبغُة صبغُته والملة ملته والتسمية تسميته فلا ينبغي لأحد أن يزايد على سيدنا إبراهيم وغيرهِ من أنبياء الله ورسله، وعلى المزايدين أن يعملوا بقوله تعالى: ﴿… وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (النور:31).

 

[1] ( عن عبد اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال خَيْرُ الناس قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ ) صحيح البخاري كِتَاب الشَّهَادَاتِ بَاب لَا يَشْهَدُ على شَهَادَةِ جَوْرٍ إذا أُشْهِدَ 2/938/2509 صحيح البخاري كِتَاب الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ بَاب فَضْلِ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ 3/1025/2631

[2] صحيح البخاري كِتَاب الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ ، بَاب فَضْلِ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ 3/1025/2631

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *