Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الذكرى الحادية عشر لاحتلال العراق

أ.د/ طه جابر العلواني.

مرت أمس في اليوم التاسع من أبريل الذكرى الحادية عشرة لاحتلال العراق، حيث قامت القوات الأمريكيَّة مع بعض حلفائها بغزو العراق، بحجة وجود أسلحة كيماويَّة، ومشاريع لصناعة أسلحة نوويَّة فيه، وأنَّ أمريكا التقت مصالحها مع مصالح المعارضين لصدام ومن بقي من حزب البعث حوله، وأنصاره، وبناء نظام ديمقراطي بديل في العراق، وألقيت في بداية الاحتلال على الأراضي العراقيَّة خاصَّة بغداد والجنوب الغربي وجزء من الوسط أطنان من الأسلحة بعضها محرم دوليًّا، ففيها اليورانيوم المنضب، والقنابل العنقوديَّة المتفجرة، وقنابل نوويَّة صغيرة؛ بحيث أهلكت الزرع والضرع، واضطر صدام للهروب من بغداد، والاختباء في جحر صغير، لم يكن يعرف عن وجوده فيه إلا من ظن فيهم الإخلاص المطلق، لشخصه، ولنظامه، وأسرته، وأرسل بأبنائه وحفيده إلى بعض من يثق بهم من أقاربه المنتفعين بسلطانه.

 أمَّا أبناؤه وحفيده فغدر بهم أولئك الموثوقين! وأمَّا هو فقد كُشِف مخبأه في جحر تحت الأرض، والله أعلم بمن وشى به أو قاد إليه من أولئك الذين اصطفاهم لسره، إحدى عشرة سنة مرت على العراق، دمرت بنيته التحتيَّة، سممت أراضيه وأجواؤه، وفشت فيه أمراض لم تكن موجودة من قبل، فتطاير شررها إلى بلدان المنطقة كلها، فنمت الأمراض السرطانيَّة، وعرف العراقيُّون الأطفال الذين شوهتهم تلك الأسلحة الإجراميَّة المستعملة في أرحام أمهاتهم، وأصلاب آبائهم، وسمم كل شيء في البلاد إلا البترول والمنطقة الخضراء، التي انتشرت فيها قصور الرجل وحاشيته التي أخذوها مؤسَّسة بفاخر الأساس والرياش؛ لتكون مقرات لقادتهم العسكريين، ودور ضيافة لأولئك الساسة الأمريكيين الذين يزورون العراق من حين لآخر.

 والقصور السبعون التي بناها صدام كأنَّها أعدت خصيصًا لقادة الاحتلال وساسة المحتلين، يتمتعون بكل ما فيها من وسائل الرفاهية والأموال التي كان يكدسها صدام في أماكن عديدة، لا سِجِل لها في بنك مركزي ولا سواه، انتهت لتكون جزءًا من منهوبات جاردنر وبريمر، الذين حكما العراق، وخلفا صدام باعتبارهم الحكَّام السياسيين الجدد للعراق، ثم سلموا فتات السلطة لأولئك الذين تعاونوا معهم، ومكنوا لهم فيما سموه بمجلس الحكم، ولما انتشرت المقاومة ووجد الأمريكان أنَّ الشعب الأمريكي بدأ يتململ ضد أولئك الذين ورطوه في احتلال أخفقوا في بناء الحجج والمسوغات الكفيلة بإقناع دافع الضرائب الأمريكي بعدالته، حاولوا أن يعيدوا الجزء الأكبر من قواتهم التي كان يمكن أن يستغنى بوكلائهم وعملائهم عنه وتركوا أولئك الوكلاء ليستكملوا المسيرة الديمقراطيَّة!

فشردوا الملايين، ونهبوا ما كان في البنك المركزي وغيره، واستولوا على كل ما استطاعوا واستكملوا ما بدأ به الاحتلال، ونحن في السنة الحادية عشرة لذلك الاحتلال لم يرَ الشعب العراقي فيها إلا مزيدًا من التشرُّد والفقر والدكتاتوريَّة والتدمير والقتل والمفخخات، والقتل على الهويَّة وانتشار الطائفيَّة وإحياء النعرات القبليَّة، وتدمير كل شيء، وقد ذكرني ذلك بمؤتمر عقد في واشنطن بعد دخول صدام وقواته الكويت، مؤتمر يعقد دوريًّا لرجال الأعمال والمستثمرين، الأمريكان؛ ليأخذوا فكرة عن البلدان التي تصلح للاستثمار فيها، والبلدان التي يكون الاستثمار فيها محفوفًا بالمخاطر، وحين ذكر العراق من بين بلدان العالم الأخرى التي يرغب الأمريكان بالاستثمار فيها؛ قال المعلقون في ذلك المؤتمر: بأنَّ في المكتب البيضاوي للرئيس بوش خطتين، خطة تعيد العراق إلى العصر الحجري ــ أي تدمره كله ــ وخطة أخرى تعيده إلى القرن التاسع عشر. وفي كلتا الحالتين فإنَّ مستقبل الاستثمار في هذا البلد محفوف بالمخاطر.

 والمؤتمر كان مؤتمرًا علنيًا، واستثماريًا اقتصاديًا لا أمنيًا، يتاح الاشتراك فيه لكل راغب لقاء مبلغ زهيد من المال، ومع ذلك فإنَّ المستبد لم يستطع أن يصدِّق بأنَّ استمراره في احتلال الكويت سيؤدي إلى تدمير العراق كله، فركب رأسه، وبقي في غروره، وظل الآخرون ينقصون من أطراف العراق ما شاؤوا، فيضعون شمال العراق وجنوبه في حالة من الحماية الأجنبيَّة التي لا تسمح للأسلحة المتطورة جويَّة أو بريَّة أن تدخل إلى تلك الأجواء والمناطق في شمال العراق وجنوبه، فركز صدام على بغداد والجنوب الغربي، محافظة الأنبار، وصلاح الدين، والموصل وما إليها، ليركز أقدامه فيها، ويحمي سلطانه في داخلها، حتى جاء الاحتلال فأسقطه ونظامه، وحاول إزالة آثاره إلا بعض التماثيل الضخمة التي لم تستطع دبابات الأمريكان اقتلاعها، وضريح ميشيل عفلق الذي بني بفرض ضريبة على العراقيين لبنائه.

فماذا حدث للبلاد بعد إحدى عشرة سنة من الاحتلال؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *