Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

وما قدروا القرآن حق قدره

أ.د/ طه جابر العلواني

قديما كانت للعرب كلمة ذهبت مثلا وهي قولهم: “أساء سمعًا فأساء جابة”.

     إساءة السمع تؤدي إلى خطأ في الفهم يجعل كلا من القائل سواء أكان سائلًا أو مخبرًا في واد والمجيب في واد آخر؛ ولذلك فلابد لمن يدخل في أي نوع من أنواع الحوار سواءا على سبيل الاستدلال أو على سبيل الاعتراض، أنّ يحسن الإصغاء، ويحسن الاستماع، ويعرف على وجه الدقة موضع النزاع بينه وبين محاوره، ومناقشته؛ لكي يكون دقيقًا في إجابته، محسنًا في حواره وفي نقاشه، وقد حفل تراثنا بآداب أطلق عليها آداب “البحث والمناظرة”، و قد حرص علماء أصول الفقه على تأصيل ما أسموه بــ “تحرير موضع النزاع” قبل بدء أي مناظرة أو حوار بين اثنين أو أكثر .

 ومنذ أن بدأنا الكتابة والتعليم والتدريس وتناول مختلف القضايا الفكريَّة والفقهيَّة والأصوليَّة كنا نحرص على ذلك، ونؤكد عليه، ونطالب الجميع بأن يحسن كلا منهما: الاستماع والإسماع لكي لا يقعا في ذلك الخطأ الجسيم، خطأ إساءة السمع، أو القراءة فيسيء الجواب ويستدرج الناس إلى نقاشات ومجادلات لا طائل تحتها ولا فائدة ترجى منها.

  وحين نتحدث عن كتاب الله (جلَّ شأنَّه) فيجب أن نستحضر عظمة الله، وعظمة القرآن المجيد، وخطورة الوحي الإلهيّ، وعصمته من أي شيء يعود عليه بأي نقد أو قدح أو إبطال، وقد كنَّا نؤكد على الدوام على طالب العلم ألا يقرن القرآن بسواه ولا يفاضل بينه وبين غيره، فالقرآن المجيد أولا: هو الكتاب الذي لا ريب فيه ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة:2) ، وثانيا : ليس بشريا ﴿ .. وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾(النساء:82). وثالثا: تعهد الله بحفظه، فقال (تعالى) ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر:9)، ونبَّه إلى أن الكتب السابقة قد دخلها ما دخلها، وانحرف بها من انحرف؛ لأنّ عمليات حفظها وسلامتها أوكلت  إلى البشر ﴿ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ ﴾ (المائدة :44)  فقد استحفظ البشر – من ربانيين ورهبان ومن يطلق عليهم رجال دين- كتبهم، فما رعوها حق رعايتها، وفرط منهم من فرط، فكانت النتيجة أن ضاعت بعض أجزائها، ونسي الناس أجزاء أخرى، وحدث ما حدث، أمَّا الكتاب الكريم فهو المختص وحده بالحفظ الإلهيّ لأسباب كثيرة أهمها أنّ هذا القرآن يحمل رسالة عالميَّة نزل على قلب خاتم النبيين؛ ليكون خاتم الكتب، ولا يشارك القرآن المجيد في هذه الخصوصية (خصوصية الختم والعالمية أي كتاب آخر) ولذلك اختص وحده بالحفظ الإلهيّ الربانيّ وبأسباب لا يحصيها ولا يعلمها إلا الله (جلّ شأنّه) ليبقى محفوظًا إلى يوم القيامة، ينهل الناس منه ، ويردون إليه، وعنه يصدرون، فلِمَ لا يُقدِّر المسلمون هذا الكتاب حق قدره؟ ولِمَ يستهينون به ويعجز بعضهم عن إدراك حكم ومعاني هذه الخصوصية التي امتاز القرآن المجيد بها؟ ولِمَ يصّرون على إدخاله بمفاضلات لا ينبغي أن يقع فيها أحد؟ كأنّ يقال الكتاب الفلاني أصح الكتب بعد كتاب الله أو أشملها أو .. إلخ.

        فإنّ مجرد التسوية بينه وبين سواه دليل على جهلٍ بقدره، وأنّ هؤلاء القائلين ما قدروا القرآن حق قدره، ولو أن هذه البديهيّة التي تُعدّ من المعلوم من الدين بالضرورة كانت مسلَّمة-وهذا ما يجب أن يكون لدى طلبة العلم والباحثين- لما تجرأ أحد أن يعقد المقارنات بين الكتاب الكريم وبين غيره، أي كان ذلك الغير.

     إنّ الرواية لأي شيء أو لأي خبر هي رواية لا تحمل عصمة، فلا ترقى لأن توضع إلى جانب القرآن الكريم كأنها بمستواه خاصة روايات الآحاد، ومعلوم أنّ البعض قد اشترط في الشهادة ما لم يشترطه في الرواية، مع أنّ الرواية أهم من الشهادة إذ  كانت الرواية لإثبات شيء من الدين بخلاف الشهادة ، فالشهادة قد تثبت أو تسقط حقًا من حقوق  الناس، أمَّا الرواية فهي تتعلق بدين، فالراوي كأنَّه يقول للناس إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أمركم بكذا، أو نهاكم عن كذا، أو بيّن أنّ من الدين كذا، وهذا أمر تقوم به الحُجة إذا استوفى الشروط التي حُددت بمقتضى كتاب الله وهدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وشهد لها العلم، والتجربة، والخبرة، وما إلى ذلك مما وضعه أهل العلم من الشروط، أمَّا كتاب الله (جلَّ شأنَّه) فلا يملك أحد أن يتساءل عنه بمثل ما يجري التساؤل عن أخبار الآحاد.

     إنَّ الخلفاء الراشدين كانوا يعتبرون الرواية أعلى أنواع الشهادات، وكان جيلهم هو جيل الصحابة الذين نحترم عدالتهم ونثق بصدقهم في الجملة،  ومع ذلك فلم يكن الشيخان ولا عثمان في السنوات الست الأولى من خلافته، ولا علي –رضي الله عنهم جميعًا- يقبلون شهادة الواحد من الصحابة ويطالبونه بأنّ يأتي بمن يعزز ما رواه ويشهد عليه بالصدق وإذا لم يستطع الصحابي أن يأتي بمن يعزز له روايته فكان الإمام علي بن أبي طالب يطالبه باليمين بالإضافة إلى قصص سيدنا عمر -رضي الله عنه- التي ورد فيها  تهديده لرواة كانوا من قراء الصحابة، وكذلك الصدّيق، أكثر من أنّ تحصى، واستدراكات أمُّنا عائشة -رضي الله عنها- معروفة مشهورة، فلِمَ لا يتوقف أولئك الذين ألفوا ألا يقرأُّوا للآخرين أنفة منهم وكبرًا، فضلا عن أن يصبروا على الاستماع إلى أدلتهم وحججهم وما إليها !

اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأملأ قلوبنا بحبك وحب نبيك (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ودنيانا التي فيها معاشنا وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليم كثيرًا.

رأي واحد على “وما قدروا القرآن حق قدره”

  1. الحقيقه أن العلماء الكبار هم السبب في تغليب الروايه والاخذ بالاعراف والاستحسان وقاعدة سد الذرائع.. انا استغرب كيف أن الله لن يحاسبهم على ذلك بل انه سيعطيهم أجرا على كل هذا.. ونحن نتاج رواياتهم واهوائهم.. نسينا القرءان.. فنعذب نحن وهم يدخلون الجنه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *