أ.د/ طه جابر العلواني
أولا: أنا إنسان أبي آدم وأمي حواء، وإلى هذه الأسرة الممتدة التي شكلت البشرية كلها أنتسب، وبذلك ناداني الله حين ذكرني بعهده وبمهمتي في هذه الحياة (يابني آدم)
ثانيا: أنا أخ لكل انسان ينتمي إلى هذين الوالدين، أحترم الكبير، وأحب أمثالي وأعطف على الصغير.
ثالثا: أنا إنسان لا يفرّق بين أبناء أسرته الممتدة بأيّ فارق إلا بالتقوى، وهي صفة مهمة يستطيع كل إنسان أن يكتسبها بأن يبتعد عن الشرور والآثام وسائر الأفعال السيئة التي يمكن أن أقوم بها بالفضاء أو بالسماء أو في البر أو في البحر، فكل ذلك أمانة ائتمنني الله عليها، علىّ أن أحافظ عليها وأحميها وأستمتع بها وأشكر الله عليها وأحبها وأقوم بعمارتها.
رابعا: أنا مسؤول عن كل مخلوق يشاركني العيش على هذه الأرض، فالكلاب والقطط والخيل والبغال والحمير والقردة والخنازير وغيرها كلها أمم مثل أمتنا نحن البشر؛ ولأن الله قد ائتمننا على الكون فنحن مؤتمنون عليها مسؤولون عن حمايتها، فإذا دمرناها دون حق أو أجعناها أو جعلنا العطش يقتلها فقد ضيعنا الأمانة وسنسأل عنها؛ ولذلك قال رسولنا الكريم ” دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض[1]“
خامسا: أنا إنسان لديّ قيم عليا أتمسك بها وتتفرع عنها قيم كثيرة أخرى، القيم التي أعتبرها أعلى القيم، لا أخضع لبشر مثلي أو أي قوة لقوى الطبيعة، بل أقر بوحدانية الإله (جل شأنه) وإليه وحده أتجه بالعبادة والحمد، وأؤمن بألوهيته، وأنا على يقين على ربوبيته؛ فلا أخضع لسواه ولا أنظر لغيره على أنه مصدر النعم، فلا أقبل الذل من مخلوق مثلي واعتز بكرامتي وأعتبر إيماني بوحدانية الله (جل شأنه) حارسًا أمينًا على ذلك.
سادسا: أنا إنسان إذا أمتلك المال فإنه يعرف أنه يمتلك حق الانتفاع، أما الملكية الحقيقية فإنها لله (تبارك وتعالى) فهو مالك السماوات والأرض، وخالق كل شيء ومالكه في هذه الدنيا وفي الدار الآخر.
سابعا: أنا إنسان أحرم على نفسي الاستعلاء على الآخرين من إخواني في الإنسانية أو الاستكبار عليهم أو الغرور، وأعلم أن ربي الذي أوحّده وأفرّده بالألوهية والربوبية وبالاستعانة قد حرم علىّ ذلك.
ثامنا: أنا إنسان أبيت لربي ذاكرًا شاكرًا ساجدًا قانتًا.
تاسعا: أنا إنسان أدعو ربي وأدعو للبشرية التي أنتمي أليها أن يجنبها العذاب والفتن والحروب والمحن ويرضى عنها ويمنّ عليها بعفوه ومغفرته.
عاشرا: أنا إنسان إذا خاطبني الجاهلون أرد عليهم بالسلام، وأحاول ألا أهبط لمستواهم.
حادي عشر: أنا إنسان أُنفق مالي دون إسراف ودون تقطير، بل بتوازن دقيق بين مدخلاتي ونفقاتي، أنفق على نفسي وأسرتي.
اثني عشر: أنا إنسان لا يدعو مع الله إلها آخر.
ثلاثة عشر: أنا إنسان لا يقتل النفس التي حرم الله، ولا يزني، ولا يشهد الزور، وإذا مرّ باللغو والعبث حافظ على كرامته ومرّ مسرعا، وإذا وجد فرصة للنصح نصح.
رابعة عشر: أنا إنسان أنظر إلى زوجتي وابنائي على أنهم هبة من الله لي، أشكره عليهم، لأنه جعلهم قرة عين لي، أفرح لفرحهم، وأقوم بواجباتهم، وأشاركهم الحياة. ذلك أنا في نفسي.
خامسة عشر: ثم بعد ذلك أنا إنسان أحب مجتمعي، وأحب الانتماء إليه، وأعمل على حمايته، وأكافح في سبيل مستضعفيه، ولا أرضى أن يحل الظلم بأي واحد منهم.
سادسة عشر: أنا إنسان أحب أن أرى جيراني وأهل مدينتي والشعب الذي أنتمي اليه سعيدًا بعيدًا عن الفتن والمشكلات، أواسي بقدر استطاعتي الفقير والمحتاج وأساعد من يطلب المساعدة، أفرح لمن يفرح منهم، وأعمل على مشاركته فرحته في المناسبات الإنسانية وأحزن إذا أصاب أحد منهم سوء، ذلك ما أوصاني به ربى وجعله مناط إنسانيتي وأخبرني بأنه لن يرضى عني إلا إذا كنت على هذه الشاكلة.
سابعة عشر: أنا مواطن أمريكي، اتخذ من أمريكا دارا وقرارا، أحب داري، وأحافظ عليه، أدفع ضرائبي في وقتها لأني أعلم أن بلدي وداري في حاجة ماسة إلى هذه الضريبة؛ ليظل البلد قرارا والدار عامرة تتمتع بكل المرافق الضرورية أو التي يحتاجها سكان الدار ليحيوا حياة طيبة، أحب أرضي وأتمنى أن أجنبها سائر أنواع الفساد والإفساد وأحميها من سائر الشرور وأحب أن يكون كل المواطنين مثلي في حبها والرغبة في حمايتها وصيانتها.
ثمانية عشر: انتماء والدي كان إلى الحضارة العربية الإسلامية وقد نقل إلي بعض الخصائص الجميلة التي اختاراها لي لا أضعها مع الحضارة الأمريكية التي أنتمي إليها في موضع تناقض أو تعارض بل أعتبر الجيد منها إضافة أضيفها إلى الحضارة الأمريكية لإثرائها وإغنائها وإعطائها الأبعاد العالمية.
تاسع عشر: إنني أؤمن بوحدة أمة الأنبياء بدءًا من إبراهيم وانتهاء بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنهم جميعا جاءوا ليبنوا بيتا من القيم كل منهم بنى جزءًا من ذلك البيت حتى اكتمل على يدي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبالتالي فلا تناقض عندي بين هذه الأديان التي جاء بها الرسل كافة بل هي برنامج واحد يكمل بعضها بعضا، بدأ بآدم وتبلور على يد إبراهيم وأخذ هيأته الكاملة على يد سيدنا محمد –صلى اللع عليه وآله وسلم- واذا كان الأنبياء كلهم أخوة فعلى أتباعهم أن يتأسوا بهم فلا يكونون أعداءا لبعضهم بل أخوة متحابين يجتمعون على قيم موحدة تنزلت إليهم مع هؤلاء الأنبياء والمرسلين، فكل ما جاءوا به بدءا بآدم ونوح وإبراهيم ومرورا بموسى وسليمان وداوود وعيسى ثم محمد –صلى الله عليه وآله وسلم- فهي حلقات من سلسلة واحدة لا نفرق بين أحد من رسله ولا نهمل ما جاءونا به من توحيد وتزكية وعمران وقيم تبنى البشرية عليها وأساليب حوار ودعوة سلمية إلى تعزيز تلك القيم والمحافظة عليها وبقائها، ذلك هو أنا، إنسان صالح -إن أردنا الاختصار- لأن يقوم بكل تلك المهام.
وأخيرا فإنني إنسان أحب أن يشاركني في هذا الخير جيراني وأبناء شعبي وكل أولئك الذي أعيش بينهم؛ لتسود هذه القيم بيننا وفي علاقاتنا؛ لذلك فإنني حريص على توصيل القيم التي أتبناها والأخلاق التي ألتزم بها ونمط السلوك الذي أتبناه إلى كل من حولي ليعيش الجميع في انسجام تام وليدخلوا في السلم كافة ويستمتعوا بالأمان بكل أنواعه وأشكاله. ذلكم هو أنا. وأتمنى أن أرى كل انسان ذكر أو أنثى صغير أو كبير في مجتمعي يتبنى هذه القيم ويتصف بهذه الصفات.
[1] صحيح البخاري: 3071