Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

السادية  Sadism والمازوخية Masochism

أ.د: طه جابر العلواني

لعلنا لا نعتدي على علم النفس ولا الجنس باستعارة هذين المصطلحين في سياق بعيد عن السياق الذي يفترض أن يستعمل فيه ولا نغضب السيد فرويد (Sigmund Freud) بعملنا هذا.

 يتهم الغرب الإسلام والمسلمين بالعدوانية والتلذذ بها خاصة بعد أن ظهرت “داعش” وسكاكينها؛ ولذلك بدأت الاتهامات توزع يمينا ويسارا عبر جميع المساحات الجغرافية التي يعيش المسلمون فيها لتشمل كل من قال يوما لا إله إلا الله أو ولد لأب أو لأبوين مسلمين أو عاش في بلاد المسلمين بحيث أصبح في نظرهم كل مسلم أو مسلمة عدوانيا ساديا لا يعرف للتسامح معنى ولا يرقب في إنسان لا ينتمي لدينه أو مذهبه إلَّا ولا ذمة.

وقد شملت اتهاماتهم سيدنا وحبيبنا وحبيب الله محمد بن عبد الله الذي كرمه الله وشرفه بأن تصدَّر موكب المصلين عليه فقال (تبارك وتعالى): ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (الأحزاب:56) ووصفه بالخلق العظيم ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم:4)، فقد بدأوا يطلقون عليه “الضاحك القاتل” يريدون بذلك أن يجعلوه (صلوات الله وسلامه عليه) وهو نبي الرحمة الذي نفى الله (جل شأنه) عنه الفظاظة والغلظة وقسوة القلب فكان مثالا للرحمة والشفقة بالبشر كلهم، حتى أعداؤه الذين آذوه وحاربوه وقاتلوه وأخرجوه من موطنه وهجروه وهجروا أصحابه، حين مكنّه الله منهم قال “اذهبوا فأنتم الطلقاء” لكن أبناء الأفاعي لا يطيقون أن يسمعوا اسم هذا النبي العظيم الذي لولاه لما وجدوا سبيلا لإثبات الوجود التاريخي للأنبياء الذين يزعمون أنهم يؤمنون بهم ولا لكتبهم ورسالاتهم التي لم يصمد شيء منها أمام النقد التاريخي الذي وجهه الغربيون إليهم واستدلوا بمنهجهم المعوج على نفي الوجود التاريخي لهؤلاء الأنبياء ولكتبهم ورسالاتهم.

هذا الذي أرسل رحمة للعالمين يحاولون أن يجعلوا منه لا مظهر رحمة كما في واقعه بل مصدر نقمة.

فالله (جلّ شأنه) كان يشفق عليه من كثرة إشفاقه (صلى الله عليه وآله وسلم) من الناس فيقول له (جل شأنه): ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (الشعراء:3)، ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (الكهف:6)، ويقول له: ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (فاطر:8)، ويقول له: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (المزمل:10)، فهو رحمة للعالمين كافة الذين آمنوا به والذين لم يؤمنوا به.

هذا النبي الذي يطلقون عليه اليوم في الغرب “الضاحك القاتل” يريدون أن يجعلوا منه محترف للقتل بدم بارد، بل أكثر من ذلك يقتل وهو يضحك، وهذه أشنع صفات السادية وأعلى مراحلها.

نستطيع أن نقول: هؤلاء أعداء الله وأعداء رسوله فإذا صدرت منهم تلك الأمور فذلك غير مستغرب ولكن ما بال أقوام ممن ينتسبون للإسلام والمسلمين بل ويدعون أنهم يدافعون عن الإسلام ويعملون للتمكين له، ما بال هؤلاء يفبركون أخبارًا يسمونها أحاديث ويضعون لها من الأسانيد لها ما يشاءون من أخبار لا تخلو من مطاعن لدى نقاد الحديث فتجد في أسانيدها المدلس والمجهول والمختلط وما إلى ذلك ليرووا لنا أحاديث مثل: “أنا نبي الملحمة”[1] وهو تحريف لحديث قال فيه “أنا نبي المرحمة”.

فيا سبحان الله كيف قلبوا نبي المرحمة للملحمة كذلك ما رووه لحديث: “إنما بعثت للذبح”[2]، ولو روى ذلك اليهود والنصارى وكل أعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ملحدين ومشركين وكفار ووثنيين لهان الأمر ولكن تروى على أنَّها أحاديث إسلامية وينسب قولها إليه! وذلك يدل على أنَّ من يروون هذه المرويات ويصدقون أهل الكتاب على مزاعمهم ويؤيدونهم هؤلاء لا نستطيع أن نجد عذرا لهم في تأييد أهل الشرك وأباطيلهم ضد من جاء بالصدق وصدق به الرؤوف الرحيم.

ولست أدري أي عقل هذا الذي يروي مثل هذه المرويات التي لا يخلو شيء منها من مقال في سنده ومتنه أو في أي منهما ويجعلها وسيلة لنسف المفاهيم القرآنية في مثل قوله (جل شأنه): ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (الأنبياء:107﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا (الأحزاب:46).

إن تصرف هؤلاء وتشبثهم بتلك المرويات الموضوعة أو المكذوبة أو الضعيفة إن دل على شيء فإنما يدل على إصابتهم بمرض يشبه “المازوخية”.

فليتق الله هؤلاء وليبدأوا بكتاب الله (جل شأنه) وليعلموا أنَّ أهل الكتاب وخاصة اليهود بذلوا وما يزالون يبذلون الجهود والأموال لتشويه سمعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهم الذين يطلقون عليه “القاتل الضاحك” يشيرون إلى قتل مجموعة الخونة من بني قريظة الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أنفسهم وجيرانهم وعملوا على تسليم المدينة إلى أعداء الله وأعداء رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لولا أنَّ الله (جل شأنه) قد أحبط تدبيرهم وأفسد تآمرهم وحال بينهم وبين النيل من رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمته وأهل بيته.

ولذا قلنا لهؤلاء أقرأوا القرآن كله واعرضوا من الأخبار المروية ما يروى على القرآن المجيد لئلا تكونوا كالببغاوات ترددون ما يقوله أعداؤكم وتعززونه وتلحقونه بكل غباء بالدين وبالمأثور والمأثور منه براء.

لقد تابعتم المستشرقين وأعداء الإسلام في أكذوبة الغرانيق وتابعتم يهود في تعزيز أحكام الرجم ورفضتم الآيات الصريحة المنيرة المشرقة النازلة في جلد الزاني وفضلتم عليها الأخذ بالرجم وشريعة التوراة وخلطتم بين آيات التوراة وآيات الكتاب الكريم لترووا لنا حديث الشيخ والشيخة، ولو تدبرتم وتأملتم في اللغة واستعملتم قواعد الدراية والرواية دون تحيز لمؤلف معين وأخضعتم تلك المرويات للنقد وفقا لقواعد نقاد الحديث الذين سلمت فطرهم واستقامت سرائرهم لأدركتم أن هذا لا يمكن أن يصح في شريعة التخفيف والرحمة ووضع الإصر والأغلال، فهو عقوبة مشددة بل أقصى عقوبة يمكن أن يعاقب بها مذنب ولو تأملتم في فتح مكة وقوله -عليه الصلاة والسلام- لأعداءه أذهبوا فأنتم الطلقاء لما ردد أحد منكم أكذوبة “جئتكم بالذبح” فلما لم يذبح هؤلاء أو قسم منهم على الأقل ولكن كثيرًا منكم يفضل اسرائيليات التفسير والأخبار على الآيات القرآنية الصريحة الظاهرة ثم تطمعون أن تنصروا وأن تعزوا.

لا والله لن يحدث ذلك حتى نغير ما في العقول ونغير ما في النفوس ونعرف أنَّ رسول الله نبي المرحمة، وأنَّه رحمة للعاملين كافة وأنه على خلق عظيم.

هذا الرؤوف الرحيم من الثابت لدى الأئمة وفي مقدمتهم الشافعي أنه لم يشهد في إقامة حد واحد لا في السرقة ولا في غيرها لشدة غيرته ورحمته هذا الذي كان يلقن المعترفين لديه بالذنوب الذين يشهدون على أنفسهم أنهم ارتكبوا ذنوبا تستحق عقوبة فيلقنهم الرجوع عن الإقرار رأفة ورحمة بهم.

هذا الذي ظل يستغفر للمنافقين أعدائه وأعداء دينه حتى نهاه ربه عن ذلك، هذا الذي كفن خصمه وعدوه زعيم المنافقين وخصمه الذي أشاع بين الناس الإفك والافتراء ضد أم المؤمنين

عبد الله بن أبي ابن سلول رأفة ورحمة به وبذويه.

هذا الذي كان يقدر لأهل الفضل فضلهم ويحرص على عدم إذلالهم فيخون أحدهم الخيانة العظمى وهو يعلم أن له أن يقتله ولو أمر بقتله ما جاوز ذلك الواجب، ومع ذلك يقول: ( لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) فمن خاض المعركة الأولى ذات الشوكة يرجو (صلى الله عليه وآله وسلم) الرحمة والمغفرة ويرفض معاقبته هذا الذي عفا عن صاحب السيف الذي أراد قتله وهو نائم تحت ظل شجرة فعفا عنه، يحوله هؤلاء إلى صاحب إبادات جماعية لأنه ترك لهم – رغم خيانتهم- اختيار القاضي الذي يقضي فيهم فاختاروا أقرب الناس إليهم فحكم فيهم بعقوبة الحرابة التي لم تكن من شريعة التخفيف والرحمة بل كانت من شريعة التوراة شريعة الإصر والأغلال.

ذلك كله يردده مشايخ حشوية، يرددون ما يجدون في كتب التراث دون وعي ودون نقد ودون موازنة أو معايرة مكتفين بالعنعنة.

فلولا تثبت هؤلاء مما يروون لعلهم يتوقفون عن تقديم الأسلحة الفتاكة لأعدائهم ليفتكوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسمعته.

الله إنا نبرأ إليك مما يروي هؤلاء ويردد هؤلاء ونستغفرك ونتوب إليك ونسألك أن تزيدنا تمسكا بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت وبسنته المطهرة وشريعته الغراء.

ولعلنا نستطيع أن نقف وقفة أخرى مع الرويات التي تستهدف الشريعة لتحويلها من شريعة رفع الحرج ووضع الإصر والأغلال إلى شريعة إصر وأغلال وتشديد على الناس مما يتنافى مع عالميتها إن شاء الله تعالى.

[1] عن أبي مُوسَى قال سَمَّى لنا رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  نَفْسَهُ أَسْمَاءً منها ما حَفِظْنَا وَمِنْهَا ما لم نَحْفَظْ فقال أنا مُحَمَّدٌ وأنا أَحْمَدُ وَالْمُقَفِّى وَالْحَاشِرُ ونبي التَّوْبَةِ ونبي الْمَلْحَمَةِ) مسند أحمد بن حنبل 4/404رقم19637.

[2] عن عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ عن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن العاص قال قلت له ما أَكْثَرَ ما رَأَيْتَ قُرَيْشاً أَصَابَتْ من رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  فِيمَا كانت تُظْهِرُ من عَدَاوَتِهِ قال حَضَرْتُهُمْ وَقَدِ اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْماً في الْحِجْرِ فَذَكَرُوا رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  فَقَالُوا ما رَأَيْنَا مِثْلَ ما صَبَرْنَا عليه من هذا الرَّجُلِ قَطُّ سَفَّهَ أَحْلاَمَنَا وَشَتَمَ آبَاءَنَا وَعَابَ دِينَنَا وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا وَسَبَّ آلِهَتَنَا لقد صَبَرْنَا منه على أَمْرٍ عَظِيمٍ أو كما قالوا قال فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذا طَلَعَ عليهم رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  فَأَقْبَلَ يمشي حتى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ طَائِفاً بِالْبَيْتِ فلما أَنْ مَرَّ بِهِمْ غَمَزُوهُ بِبَعْضِ ما يقول قال فَعَرَفْتُ ذلك في وَجْهِهِ ثُمَّ مَضَى فلما مَرَّ بِهِمْ الثَّانِيَةَ غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فَعَرَفْتُ ذلك في وَجْهِهِ ثُمَّ مَضَى ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ الثَّالِثَةَ فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فقال تَسْمَعُونَ يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَمَا والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيده لقد جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ فَأَخَذَتِ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ حتى ما منهم رجلا الا كَأَنَّمَا على رَأْسِهِ طَائِرٌ وَاقِعٌ حتى ان أَشَدَّهُمْ فيه وصاه قبل ذلك ليرفأه بِأَحْسَنِ ما يَجِدُ مِنَ الْقَوْلِ حتى انه لَيَقُولُ انْصَرِفْ يا أَبَا الْقَاسِمِ انْصَرِفْ رَاشِداً فَوَاللَّهِ ما كُنْتَ جَهُولاً قال فَانْصَرَفَ رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  حتى إذا كان الْغَدُ اجْتَمَعُوا في الْحِجْرِ وأنا مَعَهُمْ فقال بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ذَكَرْتُمْ ما بَلَغَ مِنْكُمْ وما بَلَغَكُمْ عنه حتى إذا بَادَأَكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ تَرَكْتُمُوهُ فَبَيْنَمَا هُمْ في ذلك إِذْ طَلَعَ رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  فَوَثَبُوا إليه وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَأَحَاطُوا بِهِ يَقُولُونَ له أنت الذي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا لِمَا كان يَبْلُغُهُمْ عنه من عَيْبِ آلِهَتِهِمْ وَدِينِهِمْ قال فيقول رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  نعم أنا الذي أَقُولُ ذلك قال فَلَقَدْ رأيت رَجُلاً منهم أَخَذَ بِمَجْمَعِ رِدَائِهِ قال وَقَامَ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه دُونَهُ يقول وهو يَبْكِى   أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ ربي الله   ثُمَّ انْصَرَفُوا عنه فإن ذلك لأَشَدُّ ما رأيت قُرَيْشاً بَلَغَتْ منه قَطُّ. مسند أحمد بن حنبل 2/218رقم 7036

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *