Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الإسلاموفوبيا هل ستخلق لنا أندلسًا جديدة

الإسلاموفوبيا

هل ستخلق لنا أندلسًا جديدة

أ.د/طه جابر العلواني

     منذ 11سبتمبر وسقوط البرجين التجاريين في مدينة نيويورك وحتى يومنا هذا، تزايدت في أوروبا وأمريكا ودول أخرى حالة خوف وتخوف تدرب الغرب طويلًا على عمليات إيجادها وتصنيعها، وجعلها جاهزة قابلة للاشتعال والانتقال من أي بلد إلى أي بلد آخر، فكل وسائلها وأدواتها ومعداتها جاهزة مهيأة قابلة للاشتعال في أية لحظة، ولقد اختلفت الروايات – من المقربين إلى صناع القرار من الولايات المتحدة خاصة – عن كيفية طرد المسلمين من البلدان الغربية، والتشريد بهم من كل تلك البلدان وفي كلها.

      فهناك من يتحدث عن معسكرات مُعدة ومهيأة من الحرب العالمية الثانية لاستيعاب اليابانيين ستفتح لاستيعاب المسلمين الذين تتراوح تقديراتهم في أمريكا بين خمسة مليون إلى أحد عشر مليونا، وهناك معسكرات مثلها معدة في أوروبا، وكلما حدثت حادثة وأتهم بها مسلم بقطع النظر عن مدى عمق انتمائه للإسلام من عدمه، أو عمق التزامه به من عدمه، يبدأ الإعلام العالمي يدير معركته حول الوجود الإسلاميّ في الغرب.

 والمسلمون – شاءوا أم أبوا – نُعتوا بأنَّهم أمَّة مُخرجة للناس نموذجًا ومثالًا ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (آل عمران:110) تقابلهم أمَّة مُدخلة ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ ﴿المائدة:21﴾ .

     فالأمَّة المخرجة جعلها الله نموذجًا لأمَّة الأمم، وأمرها بالخروج لتقديم هذا النموذج: نموذج الأمَّة الشاهدة الخيرة الوسط التي تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله، ونموذج آخر: نموذج أمَّة مدخلة؛ لتدخل إلى أرض معينة نظر الله إليها ذات يوم بعين التقديس فبارك فيها وما حولها.

     والأمَّة المخرَجة ورثت الأمَّة المدخَلة﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ (فاطر:32) والأيام دول بينها، فإذا تراجعت الأمَّة المدخَلة تقدمت الأمَّة المخَرجة ﴿وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ (آل عمران:140)

     فأمَّا الأمة المدخلة فهي أمَّة بني إسرائيل الذين نقلوا من أرض مصر واستزرعوا في الأرض المقدسة التي بارك الله فيها، وأمَّا الأمَّة المخرجة فهي الأمَّة المسلمة، وهي الأمَّة الوسط الشاهدة على الناس، ولقد جرت الأقدار بالأمتين تدوالًا: علوًا ورقيًا، هبوطًا وانكسارًا وانتصارًا، حتى بلغت عصرنا هذا، وها هما في حالة صراع دائم منذ عام 1948، وما تزال حالة الصراع والحرب قائمة لم تحسم بعد، وكلا من الأمتين حملت كتابًا لم تحسن حمله ولم تتله حق تلاوته.

     فقد وُصفت الأمَّة الأولى – أمة بنو إسرائيل – بأنَّها حملت الكتاب المنزل إليها حملًا حماريًا فقال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (الجمعة:5)، ووُصفت الأمَّة الثانية -الأمَّة المسلمة- بالأمَّة الهاجرة للقرآن، المعرِضة عنه المجافية له، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (الفرقان:30) وكلا الأمتين مدعو للعودة إلى كتابها، وتلاوته حق التلاوة، وفهمه فهمًا إنسانيًا، وفقهه فقهًا بشريًا، والالتزام به للخروج من حالة الاستحمار، ولم يحدث -فيمَ نعلم ذلك- من أي منهما إلى الآن.

     والأمَّة المخرجة جعلها الله وارثة لكميات هائلة من الموارد الطبيعية التي لا تحسن استغلالها ولا الاستفادة بها، في حين أن الأمَّة المدخلة كانت أكثر نفيرًا ﴿ وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (الإسراء:104)، ليجمعهم في هذه الأرض.

 

وبالرجوع إلى كتابيّ الأمتين نجد أن كل منهما قد ارتبط في تقدمه، وتراجعه، ونموه، ونقصانه، وسيادته، وعبوديته بعلاقته بكتاب ربه، فالكتاب الكريم المنزَل على بني إسرائيل هو التوراة، والله (تبارك وتعالى) قال ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (المائدة:44) وقد قال في موضع آخر ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (المائدة:19).  

       وقد قال الله (جلّ شأنَّه) للأمَّة الخاتمة فيها ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ* مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (آل عمران 3-4).

فالتوراة فيها هدى ونور، قبل أن ينحرف به المنحرفون، ويفرقون بين آياتها، ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض، والقرآن الكريم جاء بالحق والهدى والكتاب المنير، قبل أن تفرض عليه تأويلات الجاهلين، وانتحالات المبطلين، وتحريفات الغاليين، وقبل أنّ يجزؤوه عضين.

واليوم قد انحرفت الأمتان عمَّا أنزل الله وابتليت كل منهما باتباع الشهوات وإضاعة الصلاة وكل منهما ساع في غير مرضاة الله متجه نحو حتفه بصلفه، لا يحذر الآخرة ولا يرجو رحمة ربه، فمن الطبيعي أن تقسو منهم القلوب وتحبط النفوس وتنهار القيم وتتلف الذمم ما دام المؤمنون قد صاروا إلى القول بأنّ المؤمنين الآخرين لم يعودوا على شيء وإن آمنوا بالله ورسوله واليوم الآخر وأن المشركين أهدى من الذين آمنوا سبيلا ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً﴾ النساء:51

إنَّ التفاضل بينهما يتراجع من حالة التمسك بالكتاب والالتزام التام به إلى حالة الأخذ بأسباب القوة والطاقات المادية ولذلك فحين يقول الله (جل شأنه) ﴿.. وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا .. ﴾ (الإسراء:6) أي أكثر قدرة على استنفار الناس وكسب ولائهم وتأييدهم وفي الوقت نفسه يكون المسلمون أكثر قدرة في الموارد الطبيعية وغنى في الوسائل والأدوات التنموية آنذاك يوكلون إلى تلك القوى لا إلى القوة النابعة من القيم والمتصلة بالتوحيد والتزكية والعمران وبناء الأمَّة والقيام بالدعوة ويصبح الشغل الشاغل للأمتين ليس الدعوة إلى الله ولا إعلاء كلمته ولا نشر آياته، بل تخويف كل أمة من الأخرى وجعلها الشيطان الأكبر وصب كل أحقادها عليها ليبغضها الناس ويحقروها ويسعوا إلى تدميرها، واخضاع الأمة الأخرى إليها بدلا من الخضوع لله (جلَّ شأنَّه).

وهذه البقعة من الأرض في وسط العالم تحترق كل بضعة سنين، وتسطلي بنيران حرب تهدد أمن العالم وسِلمه في جميع أنحاء الأرض  وتستغل كل أمَّة قدراتها وطاقتها المادية فيعلوا صوت أمة المدخلة الذين هم أكثر نفيرا منهما، ويتساءل المسلمون في خوف – الذين أهملوا مواردهم بعد أن أهملوا كتاب ربهم – بعد كل حادثة تحدث أو واقعة تقع، ما مصيرنا؟ إلى أين نحن ماضون؟ ماذا سيفعل بنا وبهم؟ وتكثر التكهنات، وتعلو الأصوات بالتحليلات والتعليلات.

     ومنذ عقود واليهود وحركتهم الصهيونية في أمريكا خاصة وفي الغرب عامة تعمل على اقتلاع الوجود الإسلاميّ البسيط وتخيف الناس منه وتدخل الرعب إلى قلوبهم بشتى الوسائل، والمسلمون في غمرتهم ساهون غرهم تلك البنود الزائفة التي رفرفت وما تزال ترفرف باسم الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان وما إليها فإذا جاءت عند المسلمين سارع هؤلاء الخصوم، خصوم الإسلام والمسلمين إلى حجب تلك الحريات وإعلاء وتيرة التخوفات لتصبح الحرية خطرًا ومنبعًا من منابع الإرهاب وتجاهل هؤلاء كل شيء وفرطوا بكثير من القيم فقالوا: ﴿ .. إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (القصص:78)

     إن أخشى ما أخشاه اليوم وأنا أنظر إلى الملايين من أبناء المسلمين الذين استوطنوا أمريكا وأوروبا – وهم نخبة بكل المقاييس من نخب العالم الإسلامي في ذكائهم وقدراتهم وطاقاتهم ومؤهلاتهم وعالم المسلمين اليوم أحوج ما يكون إليهم- أن يكون مصير هؤلاء شبيهًا بمصائر المسلمين في الأندلس أو الهند وما إليهما، فلقد قضى المسلمون في الأندلس ثمانية قرون كانوا هم أهلها وأصحاب الأمر فيها وصناع القرار في حضارتها وفي عام 1492م سقطت آخر دولهم وانهارت كل كياناتهم ولم تشفع لهم مشاركاتهم الحضارية ولا أدوارهم في صناعة تلك الحضارات والثقافات ليذبحوا بعد ذلك بمذابح التفتيش التي كانت تتلصص وتتجسس على كل من يقول لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله أو يقيم الصلاة أو يؤدي الزكاة أو يحفظ شيئا من القرآن الكريم أو يحتفظ بآية أو خط عربي أو يخرج من تحت دورهم مياه الغُسل والاستحمام يوم الجمعة، ولم تمض سنوات حتى قُضي على الوجود الإسلامي وصار أثرًا بعد عين، ويعيش أبناء شبه جزيرة ليبريا على موارد السياحة والإطلاع على تلك الأطلال التي تعلن أنَّه كان للمسلمين حضارة هنا سادت ثم بادت.

     إنّ الوجود الإسلامي في الغرب أو الشرق مرتبط بوجود أمَّة ذات قيم ودعوة فإنّ هي وُجدت عاش الكيان الإسلامي وارتفعت راية الوجود الإسلامي فيه وإن هي سقطت فلا أمل للمسلمين بالبقاء بين أولئك متطرفيهم ومعتدليهم في ذلك سواء.

     فهل يستطيع المسلمون في الغرب أن يعوا هذا الدرس التاريخي ويحفظوه جيدًا قبل أن تغادرهم حركة التاريخ.

نأمل هذا ونرجوه وإلَّا فلا أمل ببقاء وجود إسلامي باقٍ ومزدهر في تلك الديار.. والله أعلم.          

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *