الحلقة الحادية عشر
السنَّة النبويَّة
أ.د: طه جابر العلواني
السنَّة النبويَّة عبارة عن اتباع النبي –صلى الله عليه وآله وسلَّم- للقرآن المجيد، فالقرآن قد أمر رسول الله –صلى لله عليه وآله وسلَّم- بأن يتبع ما أنزل إليه من ربه، فقال -جل شأنه- : ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ …﴾ (الأنعام:106)، وبالتالي فإنَّها لا يمكن أن يُستغنى عنها، أو يثار الجدل حولها؛ لأنَّ تطبيقات المعصوم لآيات الكتاب تطبيقات معصومة، فإذا أخطأ المعصوم –صلى الله عليه وآله وسلَّم- أو نسيَ سرعان ما يستدرك القرآن عليه ويصحح له الفهم ويقوِّم له التصرف.
وإذا كان القرآن قد نزل بلفظه على قلب رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلَّم-، فإنَّ أفعاله وأقواله وتصرفاته التي ثبت قيامه بها هذه كلها تعتبر جارية تحت عين الله وعنايته، فهو -عليه الصلاة والسلام- مُسَدَّد، يسدده ربه ويصحح له، فلا مجال لأي جدل في أمر ثبت أنَّ رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلَّم- قد قاله أو فعله ثبوتًا لا يخالجه شك.
لكن التشكيك قد جاء من أنَّ كثيرًا من السنن قد رويت بالمعنى؛ ولذلك قد يستغرب المرء ورود أحاديث وردت بما لا يتفق مع السياق القرآني، كما حدث لأمنا عائشة –رضي الله عنها- حين كانت تستدرك على الصحابة بعض ما يروونه عن رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلَّم-. وقد جمع الزركشي من استدراكاتها عليهم كتابًا سماه “الإجابة فيما استدركته عائشة على الصحابة” وهو مطبوع متداول، ومن هذا الكتاب اخترنا الحديث الذي صح عن ابن عمر –رضي الله عنهما- وفيه: “إنَّ الميت ليعذب ببكاء أهله عليه”، فحين بلغ أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- ذلك قالت: “ويل لأبي عبد الرحمن! أين ذهب عنه قوله تعالى: ﴿… وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى …﴾ (الأنعام:164)، إنَّ رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلَّم- لم يقل ما ذكر، بل رأى جنازة يهوديّ يسيرون بها وأهله يبكون عليه فقال –عليه الصلاة والسلام- : إنَّه ليعذب ويسأل”، وفي رواية أخرى: “وإنَّ أهله يبكون عليه” أي إنَّهم يبكون عليه وبكاؤهم لا ينفعه، فهو في موقف مساءلة، فأين هذه من تلك؟ وكيف اختلف المعنى؛ ولذلك كانت عائشة وعمر ابن الخطاب –رضي الله عنهما- يحكمان آيات الكتاب في الأحاديث التي تروى لهما عن رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلَّم- حتى لو كان الرواة أصحاب الواقعة، مثل حديث فاطمة بنت قيس في السكنى والنفقة، وأحاديث أخرى كثيرة مماثلة، فالقرآن هو الذي يصدِّق الأخبار أو يكذبها، وذلك للترابط الوثيق بين القرآن الكريم وبين ما صدر عن رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلَّم-.
ولو وعى الناس ذلك لما سمعنا مَن يجادلون في السنَّة أو ينكرونها ويزعمون أنَّهم قرآنيُّون، فليس بقرآني من لا يقبل السنَّة التي يصدقها القرآن الكريم ويهيمن عليها.