Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

حكم الشذوذ الجنسي

صاحب الفضيلة الدكتور / طه جابر العلواني          حفظه الله تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:

لا أدري إن كنتم قد سمعتم عن إعلان تأسيس منظمة للشاذين جنسيا من اللوطيين والسحاقيات الذين يدّعون الانتساب إلى الإسلام. اسم المنظمة (الفاتحة) وقد اتخذت لها مقرا في منطقة واشنطن العاصمة، وتقوم بنشر أفكارها والترويج لها عن طريق موقعها على الشبكة العالمية.

يزعم بعض المنتمين إليها والقائمين عليها أنه لا دليل من القرآن على تحريم هذا النوع من الممارسات الجنسية، وأن الذين يمارسون ذلك معذورون لأنه أمر مرتبط بالتكوين الجيني للإنسان، ثم إنهم يمارسون ذلك بالتراضي بين الطرفين من دون إكراه أو إضرار، ويحتجون بأن بعض الأديان الأخرى أذنت لأتباعها من أمثال هؤلاء أن يؤسسوا لأنفسهم معابد خاصة بهم. وتدعي هذه المجموعة أنه يمكن لهم أن يؤسسوا مساجد خاصة بهم يقوم بالإمامة فيها أحدهم وذلك تلبية لحاجاتهم الروحية بعد تلبية حاجاتهم في الشذوذ الجنسي.

ما موقف الإسلام من هذا الفعل؟ وما الحكم الشرعي في هذا الأمر؟ وهل صحيح أن بعض علماء المسلمين لا يرون في الشذوذ الجنسي جريمة تستنكرها الشريعة ويعاقب عليها الشرع؟ أفيدونا رحمكم الله.

                                                                صالح عبد الله – واشنطن

الجواب:

قبل أن نبين تفاصيل الحكم الشرعي في هذا الفعل، نود أن نذكر ما ورد في القرآن الكريم عنه وعن القوم الذين كانوا يمارسونه وما حل بهم من العقاب الأليم الدنيوي قبل الأخروي، والمراد هو بيان عظم مغالطة هؤلاء الذين يزعمون بأن القرآن لم يستنكر هذه الجريمة الشنعاء. قال تعالى:

﴿ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين * إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون * وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون * فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين * وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين﴾  (الأعراف:80-84)

﴿ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون * أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون * فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون * فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين * وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين﴾ (النمل:54-58)

﴿ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين*  أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين * قال رب انصرني على القوم المفسدين * ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين * قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين * ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين * إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون *ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون﴾  (العنكبوت:28-35).

ففي كل هذه الآيات الكريمة سمى الله (تعالى) فعل قوم لوط بـ (الفاحشة)، وسميت قُراهم بأنها القرى التي كانت تعمل الخبائث، ومعروف أن الفاحشة في هذا السياق يراد بها الزنى وما كان يفعله قوم لوط من لواط الرجال وسحاق النساء. وعليه فإن الربط بين إنزال العقوبة على أحد وبين كون الشيء محرما أمر غير دقيق، فالشرك ظلم عظيم وهو أعظم الذنوب عند الله وليس هناك حد شرعي أو عقوبة تعزيرية يمكن أن تطبق على المشركين، سواء أكانوا مجوسا أو عبدة بقر أو غير ذلك. فالعقوبة شيء وكون الفعل ذنبا أو جريمة شيء آخر، بل إن الذنوب العظام -مثل ذنب قوم لوط- كثيرا ما تكون عقوبتها أخروية لأنها أشد من العقوبة الدنيوية، وفضوح الآخرة أكبر من فضوح الدنيا، والعقوبات الأخروية من دخول النار وحلول اللعنة –والعياذ بالله- والطرد من رحمة الله أنكى وأشق من أية عقوبة دنيوية.

اتفقت كلمة علماء الأمة وأجمعوا بناء على ما ورد في القرآن وما صح من السنة على تحريم الفعلين (اللواط والسحاق) لأن في كل منهما تحطيما لإنسانية الإنسان وتدميرا للأسرة ومصادمة لمقاصد الشارع من وضع الغريزة في الذكر والأنثى لتحقيق نظام الزوجية.

لا ينظر الإسلام إلى الشهوة الجنسية على أنها الهدف الأسمى من النكاح، فالزواج هو وسيلة لحصول السكن وتحقيق المودة والرحمة بين الزوجين، وبقاء النوع البشري، وإيجاد شبكة من العلاقات الاجتماعية تساعد على بناء الأسر السليمة التي تشكل وحدات صغرى للمجتمع الأكبر الذي هو الهدف الأخير. فالإنسان ليس حيوانا تسيره الغريزة ليستجيب لدواعي الشهوة كلما ثارت عليه، بل عليه أن يعرف كيف يوجه هذه الرغبة التي هي أمانة غرسها الله فيه؛ ذكرا أو أنثى. فالإرادة والاختيار التي أكرم الله بها الإنسان هي التي تميزه عن سائر المخلوقات في توجيه سلوكه واختيار ما هو خير.

فالنظرة إلى الشهوة على أنها الهدف هي انحراف عن الفطرة وخروج عن الطبيعة. وإذا كان الاتجاه في الغرب لإباحة هذا الأمر فإنه لم يحدث إلا بعد أن تم تسييل قيم الأديان كلها وتحويلها إلى قيم نسبية تعظّم الجانب الفردي وتجعل اللذة غاية ومقصدا، وكذلك اضطراب مفهوم الآخرة وغير ذلك من أمور أدت إلى اضطراب النظرة إلى الجنس وحدوث هذه الفوضى. ومن ثَمَّ جاء الجشع والطمع ليدفع نحو تأسيس العديد من الصناعات التي بنيت على إثارة الشهوات، كالسياحة الجنسية وصناعة الأفلام الإباحية وأدوات المتعة الجنسية وغير ذلك. والنتيجة كانت تدمير مفاهيم الأسرة وقيمها واضطراب أشكال الارتباط بين الذكر والأنثى حتى تشكلت أسر تتألف من ذكرين أو أنثيين…

نص بعض العلماء في تفسير قوله تعالى: ﴿واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا * واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما﴾  (النساء:15-16) أن المقصود بـ (اللاتي) هن السحاقيات اللواتي يمارسن الشذوذ فيما بينهن، وأن (واللذان) مقصود بها اللوطيين الذين يمارسون هذا الفعل فيما بينهم، وحدّهما الأذى بالقول والعمل.[1]

وجاء في الحديث قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يبين عظم تلك الفاحشة: (لعن الله من عمل عَمل قوم لوط) كررها ثلاثا, وقال في حديث آخر: (إذا أتى الرجل الرجلَ فهما زانيان) وقد عدّ اللواط بمثابة الزنى من حيث العقوبات الشرعية لأنه فاحشة من ناحية، ولأن تعريف الزنا ينطبق عليه من ناحية أخرى. وروي عن الصحابة رضوان الله عليهم أن هذه الجريمة (الشذوذ) تستحق عقوبة مشددة أكثر من الزنى لتحقيق الردع والزجر عنها ألا وهو تحريق اللوطيين كليهما (الفاعل والمفعول به) أو رجمهما بالحجارة حتى الموت، وذلك لأن الله (تعالى) رجم قوم لوط بالحجارة بعد نسف قراهم. أما بالنسبة للسحاقيات، فإن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال فيهن: (إذا أتت المرأة المرأةَ فهما زانيتان) وقد ذكر العلماء أن الواجب على الإمام أن يقوم بتعزير السحاقيات بما يناسب الجريمة التي ارتكتبتاها.

نعم، خالف بعض العلماء في هذه العقوبات، لا لشبهة كون الفعل ليس جريمة ولكن لعدم النص على العقوبة الدنيوية، ولكن فعل الصحابة -رضوان الله عليهم- يدل على أن لهذه الجريمة عقوبة دنيوية يقوم بها ولي أمر المسلمين، وقصة أبي بكر الصديق عندما كاتبه خالد بن الوليد في هذا الشأن مشهورة يمكن مراجعتها في كثير من المصادر.[2]

والخلاصة هو أن هذا الفعل سواء صدر من ذكرين أو أنثيين يعتبر فاحشة وجريمة، وبالتالي فما يزعمه هؤلاء الفسقة لا يقبله الإسلام بحال ويرفضه رفضا باتا، وسماح بعض أهل الأديان لأتباعهم بممارسة هذا الفعل نزولا عند الضغوط لا يعتبر مسوغا للفعل المجرم، فقد سبق في التاريخ أن حرّف بعض الناس أديانهم وأضافوا إليها وحذفوا منها. أما الإسلام فهو صريح في هذا الأمر لا يقبل فيه أية مساومة بأي حال من الأحوال، وعلى المسلمين أن يحذروا هؤلاء الشاذين والشاذات وأن لا يعطوهم أية فرصة للاختلاط بأبنائهم وإفسادهم، وهم ليسوا مؤهلين لأن يؤسسوا المساجد وأن يرتادوها أو يؤمّوا مرتاديها أيا كانوا، والأولى بهم أن ينصرفوا لمعالجة أنفسهم من أمراضها ولتطهير أرواحهم مما علق بها والعودة إلى الطريق السليم بدلا من هذه السخرية والاستهزاء بمشاعر المسلمين.

[1]  راجع: الفخر الرازي، التفسير الكبير: 5/187

[2]  راجع: ابن قدامة، المغنى: 12/350

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *