حوار أجراه الأستاذ همام عبد المعبود
منسق مجلة الأمة في القاهرة
الأحد 13 ديسمبر 2009
أسئلة الأستاذ همام عبد المعبود:
- ما المقصود بـ”المتفلتون من الحركات الإسلامية”؟
- وما هي برأيكم أسباب تفلت البعض عن الحركات الإسلامية؟
- هل يمكن وصفها بالظاهرة أم أنها ما زالت مجرد حالات فردية؟
- ما الدور الواجب على الحركة الإسلامية تجاه المتفلتين عنها؟ وطريقة التعامل الواجبة؟
- لماذا يتعامل بعض المتفلتين عن الحركة كأعداء لها، وينسون لحظات الوداد؟
- لماذا لا يكون هناك ما يشبه “ميثاق الشرف” الحركي يلتزم بها المنتسبون للحركة؟
- ماذا يجب على المتفلتين تجاه الحركة التي تربوا في حجرها؟
إجابات أ.د.طه العلواني:
قولكم في سؤالكم «المتفلّتون»: أرى في هذا المصطلح نوعًا من التحيُّز والنظر إلى من يبتعد عن الحركات السياسيّة الإسلاميّة وكأنّه متفلت أو مبتعد عن صيغة واجبة أو ضروريّة وهذا غير صحيح، فإنّ علماء الأمّة في السابق ومنهم ابن تيمية وغيره قد رفضوا مبدأ تشكيل تجمعات داخليّة، داخل الأمّة المسلمة تنظر إلى نفسها وكأنّ الأمّة اعتصرت وتقطرت فيها وحدها، وهذا غير صحيح، فإنّ سيدنا إبراهيم -عليه السلام- كوّن أمّة وملّة وأطلق على الأمّة «المسلمين»: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ … ﴾ (الحج:78) وعلى الملّة ملّة المسلمين، وهي وحدها التي يعد من انحرف عنها أو ابتعد عنها متفلتًا، فالأصل في الانتماء أن يكون انتماءً للأمّة، لأمّة الإسلام، وملّة الإسلام، ملَّة إبراهيم التي أسسها أبونا إبراهيم –عليه السلام- واستكمل بنائها بقيّة الأنبياء والمرسلون، وأكمل هذا البناء وجدده وأتمه سيدنا محمد بن عبد الله خاتم النبيين -صلى الله عليه وآله وسلّم.
وقد شجب شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره تلك الفئآت التي تعزل نفسها عن الأمّة وتطرح برامج خاصّة تعزلها عن جسم الأمّة وتمنح نفسها صلاحيّات وكأنّها تمثل الأمّة وتحمل مسئوليّة النطق باسمها، وتحدّد مَا هو صالح وما هو ضارّ بها، حتى إنّ العلماء هاجموا الفرق سواء أكانت ثلاثة وسبعين أو أكثر والطرق الصوفيّة لهذا السبب، تشكيل جسم خاصّ في داخل الجسم الكليّ، ولو أنّه موجود اليوم هو وأمثاله لهاجموا تلك الفئات التي تميز نفسها عن الأمّة وجسمها وملَّتها بشعارات وعناوين ومواقف ومصطلحات وما إلى ذلك مما تعرف ويعرف الآخرون.
فما الذي يعنيه لقب «المتفلِّت»؟
أهو المسلم الذي لم ينضم إلى أيّ من التنظيمات القائمة في بلدان العالم الإسلاميّ، واكتفى بالانضمام إلى «الأمّة والملّة» التي أسسها إبراهيم –عليه السلام- وشاد البناء الأنبياء وأكمل البناء محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وآله وسلّم؟
ولذلك فإنّنا أحوج مَا نكون إلى إعادة بناء وتأسيس الوعي بالأمّة والبحث في وسائل إعادة بناء الأمّة، كما أمر الله تعالى بها بناءً قرآنيًّا نبويًّا محمديًّا إبراهيميًّا، لا يتأثر بما أفرزته الشركات الأوروبيّة بعد الثورة الصناعيّة من أحزاب سياسيّة لتنظيم العلاقة بين أرباب الأموال والعمال، ولذلك ترى أنّ الديمقراطيّة الغربيّة لا تكاد ترى فيها غير حزبين، يخير الواطن بينهما كما يخير بين البيبسي كولا والكوكولا؛ فإمّا المحافظون أو العمال في انجلترا، أو الديمقراطيّون والجمهوريون في أمريكا.
وأصل تلك الأحزاب والتنظيمات، الشركات وما انبثق عنها من رؤى وأفكار. إنّ الأحزاب القديمة؛ الحزب السنيّ، والحزب الشيعيّ، وحزب الخوارج، وحزب المعتزلة، أضرت بالأمّة أيّا إضرار، وفرَّقت كلمتها وهيَّئتها للاحتلال الصليبيّ وضياع القدس، ثم للتدمير المغوليّ، وما تزال هذه الأحزاب التي قامت في العالم الإسلاميّ نتيجة ضغوط الاستعمار ومتطلّبات المقاومة والاحتلال والاستقلال جعلت الناس يأخذون بتلك الأشكال لكي يصلوا إلى صيغ تعاون، وإذا بها تتحوّل إلى وسائل تفريق جديدة، فهناك اليوم؛ حزب تحرير، وإخوان مسلمون، والجماعة الإسلاميّة، وجماعة التبليغ، والأحزاب الإسلاميّة، والجماعات السلفيّة والجماعات الجهاديّة وأسماء أخرى مطروحة في الساحة، لم تستطع لحد الآن وإن قدمت بعض الخدمات أن تعيد بناء وتأسيس الوعي بالأمّة، وإن هتفت بذلك، فلا بد أن تحزم هذه الفئآت اليوم أمرها، وتجمع كلمتها، وتحدّد لنفسها هدفًا خارج الدوائر الإقليميّة لخارطة سايكس بيكو الإقليميّة وأمثالها لتعيد بناء الأمّة وتأسيس الوعي بها وإزالة الحدود المصطنعة بشبكة من الاتصالات والمواصلات التي تربط العالم الإسلاميّ كلّه بدلا من تلك المصائب التي نراها والتي تفاقمت هذه الأيام، وأخذت كل الحركات بها وتجاهلت عالميّة الإسلام وسائر الأبعاد العالميّة فيه، وحاصرت نفسها في النضال مع الأحزاب التي تشكّل الأقليّة الأخرى بطريقة أو بأخرى. من أجل برامج سياسيّة لتجعل الإسلام والقرآن والسنّة تختزل في برنامج سياسيّ لهذه الفئات أو تلك، فمن الطبيعيّ أن يكتشف الإنسان النواقص بين الدوافع الإسلاميّة الكبرى التي دفعته إلى التحيّز إلى فئة استهدافًا لإعادة بناء الأمّة والطرق الضيّقة التي يجد نفسه فيها، وبين واقع تلك الفئآت الإقليميّة والقوميّة المحدودة الضّيقة التي تجاهلت التنظيم الأكبر، تنظيم الأمّة والملّة لصالح تلك التنظيمات الفرعيّة الدخيلة.
إنّه لا مانع من أن تكون داخل إطار الأمّة جمعيّات تعاونيّة للاهتمام مثلا بفقراء أو أيتام أو تعليم أو مواصلات لكن لا بد من المحافظة على الانتماء إلى الأمّة بذلك وإخراجه من حالة التفرّق إلى حالة التفعيل وإعادة بناء الأمّة الواحدة.
والله تعالى الموفق
أ. د. طه جابر العلواني