رحل والدنا يا أم زيد ولم يرحل والدك فحسب، رحل لكنه لم يرحل .. غاب لكنه لم يغب فمن خلف هذا المنهج التأسيسي والتأصيلي لم يرحل، من ترك هذا التراث العلمي لم يرحل، من ترك تحقيق المحصول بهذه الدقة وهذا التألق لم يرحل، أنا لا أنعيه لكن أنعي نخبا لم تستوعب أفكاره .. لم تطق ان تدع المألوف والمعتاد لا لشئ الا لأن الأقدمين قد قالوه .. ولئن قالوه فهم معذورون فذلك ما بلغوه في زمانهم وهذا أقصى ما توصلوا إليه، الإشكالية في أمة لا يريد أن يتألق علماؤها ولا يريد أن يتعلم طلابها، أمة ما زال علماؤها أسرى لجزئيات.. لا لمنهج وكليات وقواعد ومقاصد، عاش العلواني في أفق العلو والتأصيل .. لم يكن كاتبا تقليديا بل ناقدا يعرف من أين تؤكل كتف المعارف والعلوم، كتب وناقش وحاور ونقد وعلق بكل دقة واستيعاب وشمول.
رصد إشكاليات الأمة وعالجها .. رصد الأفكار وسعى لبناء معرفي يجمع بين الأصالة والمعاصرة فهل رحل الرازي وقد ترك المحصول؟! هل رحل ابن خلدون وقد ترك المقدمة ؟! هل رحل الشاطبي وقد صنف الموافقات؟! هل رحل العلواني وقد أبدع هذه المصنفات؟! إن كانت الآخرة قد أخذتهم فلعل الله برحمته وبحبنا لهم ورغبتنا لتثوير رؤاهم وتنزيل أفكارهم ان يلحقنا بهم في مستقر رحمته وحقًّا إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وانا لفراقك يا شيخنا لمحزونون وحسبنا يا ربنا رضاك عنا وعنه وموعدنا إن شاء الله على الحوض ليستقبلنا هناك سيدنا رسول الله ويقول هذا (العلواني) من علماء أمتي وهؤلاء ممن ساروا على دربهم. لك يا أم زيد ألف تحية وإنا لله وإنا اليه راجعون.