Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

د. خديجة جعفر

المراحل الفكرية للدكتور طه العلواني

نشأ في بلاد الرافدين، وانتظم في سلك التعليم الديني منذ صغره في العراق، سافر إلى مصر ليلتحق بأزهرها الشريف، ويكمل تعليمه فيه حتى مرحلة الشهادة العالمية، درس و تعمق في مختلف العلوم الدينية، وتضلَّع في علمي أصول الفقه والفقه، مارس التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، وفي عام 1984 م غادر للولايات المتحدة الأمريكية ليشارك في تأسيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ثم يرأسه حتى عام 1996م، ثم ينشئ جامعة قرطبة، ويتولى عمادتها من عام 1996 حتى عام 2003 حين قرر العودة إلى الوطن العربي ونقل نشاطه العلمي فيه، فأسس في المغرب دار القرآن، ثم استقر في القاهرة منذ نهاية 2006 وحتى وقتنا هذا.
يمثل طه جابر العلواني نموذجا إسلاميًا عصريًا متفردا، فقد نشأ نشأة دينية بحتة في العراق، تأصلت بدراسته المتعمقة للعلوم الدينية في الأزهر الشريف الذي يمثل التجسيد الحي لتراث الحضارة الإسلامية في علومها الدينية فقط ومشكلاتها وثقافتها السالفة كما يمثل هجران العصر الحاضر بعلومه وثقافته ومشكلاته وهمومه. وبعد أن انتهت تجربته السياسية في العراق وغادره انتقل للتدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود قلعة السلفية في ذلك الحين. بهذا التكوين الديني الأزهري، وهذا العقل الأصولي الفقيه، وهذه التجربة السياسية المرة، غادر العلواني للولايات المتحدة الأمريكية، ليقيم فيها ويعايش ثقافتها وحضارتها عن كثب وهناك انفتح على علوم وثقافة العصر الحديث، وعايش مشكلات الحضارة الغربية خلال خمس وعشرين عاما. هذا التفاعل الخلاق بين الماضي والحاضر، بين حضارة زالت بفلسفتها وعلومها وثقافتها، وحضارة ما زالت تعيش بوجودها وفلسفتها وعلومها ومشكلاتها في عقل الأزهري الأصول يالفقيه، جعل العلواني يراجع تراثه الديني الذي تعمق فيه كطالب علم أزهري، هذه المرة بعقل ناقد محلل يسائل تراثه وثقافته في جرأة وشجاعة، جعلت خطاب العلواني يتسم في عمومه بالنقد الجريء الشجاع لكثير من المسلمات و النظريات المستقلة في الفقه وأصول الفقه، كرأيه مثلا في مسألة حد الردة، ومنهج التعامل مع السنة النبوية. مثلت مرحلة التوتر الفكري الذي عايشه العلواني بعد هجرته، مخاض ولادة أطروحاته المتسقة في مجالات الدراسات القرآنيةوأصول الفقه ومقاصد الشريعة و الفقه الإسلامي.
يمكن تصنيف كتاباته إلى ثلاث مراحل فكرية تمثل تطوره الفكري:
1-المرحلة التقليدية: حيث اهتم فيها ببعض القضايا الفقهية والأصولية التقليدية التي يألف الأزهريون الاهتمام بها مثل:
– تحقيق رسالة الصلاة المنسوبة للإمام أحمد.
– الاجتهاد والتقليد في الإسلام، 1979.
– تحقيق المحصول في أصول الفقه، 1979.
2-المرحلة الانتقالية: والتي بدأ فيها التفاعل الخلاق مع حضارة العصر، واهتم فيها بفكرة إسلاميةالمعرفة، ودعا إلى التجديد، وأنتج بعض الأفكار التي طورها فيما بعد. وهذه المرحلة هي التي تزامنت مع تجربته في تأسيس المعهد العالمي للفكر الغسلامي ورئاسته، وتمثلها الكتب التالية:
– إصلاح الفكر الإسلامي بين القدرات والعقبات، 1991.
– إسلامية المعرفة بين الأمس واليوم، 1996.
– التعدددية: أصول ومراجعات بين الاستتباع والإبداع، 1996م.
-أصول الفقه: منهج بحث ومعرفة، 1988م.
3- مرحلة الأطروحات الفكرية:
وفي هذه المرحلة أثمر تفاعل التكوين الديني الأزهري مع حضارة العصر ومشكلاتها وأنتج العلواني سلسلة في الدراسات القرآنية التي تنتظم في مشروعه الطامح إلى نقد التراث بمعيارية القرآن الكريم.
1- لا إكراه في الدين، 2006م.
2- الوحدة البنائية للقرآن المجيد، 2006م.
3- لسان القرآن، 2006م.
4- نحو موقف قرآني من النسخ، 2007م.
5- نحو موقف قرآني من المحكم والمتشابه، 2010م.
6- أفلا يتدبرون القرآن، 2010م.
ونتناول المرحلة الثالثة من فكره بشيء من التفصيل.
الأطروحات الأساسية في فكر طه جابر العلواني:
1- الجمع بين القراءتين: قراءة الوحي وقراءة الكون.
يرى العلواني أن الخطاب الإلهي قد توجه للإنسان بالأمر بقراءتين: قراءة الوحي وقراءة الكون، فالأمر بقراءة الوحي مأخوذ من قوله (تعالى): ﴿أقرأ باسم ربك الذي خلق﴾ أما الأمر بقراءة الكون، فمأخوذ من قوله تعالى: ﴿اقرأ وربك الأكرم﴾.
والقرآن الكريم –عند العلواني- هو المعادل للوجود الكوني وحركته؛ ولذا فلابد من وجود رابط منهجي ناظم بين الوحي والكون؛ فالقرآن يقود إلى الكون ويمارس دوره في الهداية فيه، والكون يقود إلى القرآن ليسقط أسئلته عليه، فالجمع بين القراءتين إذًا هو جمع بين قراءة غيبية تنشأ في إطار الوحي باتجاه الكون، وقراءة موضوعية تنشأ في إطار الكون باتجاه الوحي.
ولن تستقيم للإنسان رؤية فلسفية، يتزن فيها عنصري الغيب والشهادة دون اعتبار القراءتين معا، فتجاوز القراءة الأولى سيؤدي إلى طرح رؤة فلسفية وضعية منبتة الصلة بالله، وتجاوز القراءة الثانية؛ سيؤدي إلى تعطيل الفعل الإنساني الحضاري.
2-سؤال المنهج: نحو بناء “المنهج التوحيدي للمعرفة”
يرى العلواني أن الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تعاني منها الأمة إنما مردها إلى الأزمة الفكرية وحدها لا غير، كما يرى أن أي محاولة لتقديم أطروحات فكرية لحل هذه الأزمات دون العودة للقرآن الكريم هي محاولات لن تثمر.
وإصلاح مناهج الفكر يعد خطوة أساسيةفي طريق تجديد الفكر وإصلاح الأمة؛ ولذا فإن سؤال المنهج في خطاب طه جابر العلواني يعد سؤالا محوريًا.
ولأن العلواني ريى أن القرآن الكريم هو خطاب مطلق خارج الزمان والمكان، معادل للكون وحركته وبالتالي فهو يملك الأجوبة الدائمة لكل مشكلات البشرية في كل زمان ومكان، فإن العلواني يتوجه للقرآن الكريم بسؤال المنهج، ويؤكد على امكانية الكشف عن منهج قرآني كامن.
يقدم العلواني دعائم مشروع فكري طموح لإرساء قواعد المنهج التوحيدي للمعرفة:
1- إعادة بناء الرؤية الإسلامية المعرفية:
أي بناء نظام معرفي إسلامي قائم على أركان العقيدة المحصورة المحددة كما جاء بها القرآن و مقومات وخصائص التصور الإسلامي المنبثق عنها.
2- إعادة فحص وتشكيل وبناء قواعد المناهج الإسلامية.
3- بناء منهج للتعامل مع القرآن المجيد.
وقد قدم دراسات مهمة لتفعيل هذا المحور (بناء منمهج للتعامل مع القرىن المجيد) في سلسلة دراسات قرآنية: الوحدة البنائية للقرآن المجيد، لسان القرآن، نحو موقف قرآني من اشكالية المحكم والمتشابه.
4- بناء منهج للتعامل مع السنة النبوية المطهرة.
يماثل العلواني علاقة القرآن بالسنة بعلاقة المطلق بالنسبي، فالقرآن الكريم خطاب نطلق يقع خارج الزمان والمكان، أما السنة النبوية فتمثل فقه تنزيل المطلق في إطار الزمان والمكان النسبيين، ومقتضى ذلك تغاير منهج التعامل معهما.
5- إعادة دراسة وفهم تراثنا الإسلامي:
يقترب العلواني من التراث الإسلامي اقترابا تحليلا نقديًا، حيث يرفض الدوائر الثلاث السائدة التي تحكم أساليب تعاملنا مع تراثنا في الوقت الحاضر: دائرة الرفض المطلق له، ودائرة القبول المطلق، ودائرة الانتقاء اللامنهجي. وقدم دراسة رائدة ” لا إكراه في الدين” والتي تعد نموذجًا رائدًا في مراجعة التراث.
6- بناء منهج للتعامل مع التراث الإنساني المعاصر.
تلك هي المحاور الستة التي يطرحها العلواني كخطوات أولية في سبيل بناء المنهج التوحيدي للمعرفة.
3- الأصول الفقهية وتأسيس علم المراجعات:
نلقي الضوء على جانب آخر من جوانب فكر العلواني وهو فكره الفقهي والأصولي، وحيث يرى العلواني أن غالب مباحث الفقه الإسلامي المتشعب المتنوع الثري يجب أن يدرس دراسة تاريخية، غير منفصلة عن إطاره الزماني والمكاني وإشكالياته الفكرية الخاصة به؛ فلا يمكن بحال قبول أحكام الفقه الموروث كأحكام مسلم بصحتها، دون نقد و تحليل، ولابد لفقه العصر أن يُبنى على أصول جديدة، كما إنّ فقه الماضي لابد ان يراجع عبر عمليات تحليل وتفكيك وتركيب، يمكن تطويرها وتأسيسها لإرساء قواعد للمراجعة ومن ثَم تأسيس علم للمراجعات، وقد قدم العلواني دراسة جادة بعنوان (لا إكراه في الدين) في مسألة الردة عن الإسلام وحد الردة، ويمثل الكتاب دراسة حالة case study في علم المراجعات.
ومن اهم الأصول التي أصلها العلواني لفقه عصري:
1- القرآن الكريم هو المصدر المنشئ للأحكام والكاشف عنها، والسنة النبوية هي المصدر المبين للقرآن الكريم.
2- الوحدة البنائية للقرآن الكريم، فلا يجوز النظر لآيات القرآن كجزئيات، وكذا السنة الصحيحة فمن الضروري رد الجزئي للكلي، وإلا فمن مباحث أصول الفقه الرئيسة مبحث التعارض بين الأدلة، والذي يرى العلواني أنه مبحث مفتعل كان يمكن تجاوزه بالنظر للقرآن كوحدة بنائية.
3- الاعتراف بحاكمية الكتاب وأسبقيته، وأنه قاض على ما سواه بما في ذلك الأحاديث والآثار.
4- اعتبارعالمية الخطاب القرىني: فالخطاب الموجه إلى عالم اليوم لابد أن يقوم على قواعد مشتركة وقيم مشتركة.
5- التدقيق في الواقع الحياتي بمركباته المختلفة باعتباره مصدرًا لصياغة السؤال والإشكال الفقهي.
6-الإقرار بأن فقهنا الموروث ليس مرجعا للفتوى أو صياغة الحكم في مثل هذه الأمور، بل هي سوايق في الفتوى والقضاء يمكن قبولها أو ردها.
7-اختبار الفقه في الواقع العملي: فعملية استنباط الأحكام وتقديم الفتاوى عبارة عن جدل متواصل بين الفقه والواقع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *