Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

نظرة عامة على حركات الإصلاح

أ.د/ طه جابر العلواني

إنّ المتتبع للتاريخ الإسلاميّ القديم منه والحديث يجد ظاهرة عجيبة، خلاصتها: أنَّه على كثرة محاولات الإصلاح في المجالات المختلفة عبر العصور فإنَّه لم تحدث تراكمات قائمة على خبرات وتجارب تلك الحركات. بل نجد الحركات اللّاحقة كثيرًا ما تتجاهل ما سبق، أو تنتقده وتستبعده وتبدأ من نقطة الصفر، لا من حيث انتهت إليه الحركات التي سبقتها، بحيث يبني اللّاحق على ما أسّس السابق لتحصل من الخبرات والتجارب ما يمكنها من بناء مشروع نهضويّ قادر على البقاء والاستمرار ومجابهة التحديّات. وفي الوقت نفسه يمتلك الآليّات القادرة على منحه إمكانات التجدّد بحسب تنوّع المراحل التاريخيّة  وبحسب ما تتطلبه من أدوات ووسائل، تمكّن المشروع من النجاح.

فعلى سبيل المثال: قام الخليفة الأمويّ عمر بن عبد العزيز بمجموعة كبيرة من الإصلاحات في مجالات كثيرة منها:

  1. العمل على إعادة بناء ووحدة الأمَّة بالاحتكام إلى الحوار والجدل بالتي هي أحسن للفئات التي كانت في عهود من سبقه من الخلفاء الأمويّين قد خرجت على الدولة، وحملت السلاح ضدها. وذلك يعني أنّه حاول تنبيه الأمَّة إلى أنّ الخلافات الداخليّة بين فصائل الأمَّة لا يسمح بأي حال بالاحتكام فيها إلى القوة، بل إلى الحوار، والجدل بالتي هي أحسن. لكن من جاء بعده من الخلفاء عادوا إلى الاحتكام إلى السيف داخليًّا وخارجيًّا.
  2. لقد قام بعمليَّة رد المظالم، واستعادة المال العام من أولئك الذين استولوا عليه أو أقطعوه بطرق غير مشروعة. وأمر بأن تباع مقتنيات من سبقوه في مزادات علنية، حتى إنّه رد إلى بيت المال العقود والجواهر التي أهداها والد زوجته إليها. وأراد بذلك أن يؤسّس مبدأ «المحافظة على المال العام» وعدم إباحة شيء من التصرّف فيه بدون وجه شرعيّ، وإخضاع الحكام والولاة لمحاسبة الأمَّة.
  3. حاول القيام بإصلاحات فقهيَّة بجمع السنن لتكون هذه السنن فقهًا للأمَّة باعتبار السنن بيانًا للقرآن المجيد الذي هو المصدر المنشئ الوحيد للعقيدة والشريعة، والسنن الثابتة الصحيحة بيانه الملزم الوحيد؛ ولكن سرعان ما انحرف الناس بعده عن هذا السبيل القديم ليجعلوا من آيات القرآن المجيد وسنن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلّم- شواهد معضّدة ومساندة لمذاهبهم الفقهيّة.

وحين نتجاوز هذه المحاولة بحثًا عن نموذج إصلاحيّ آخر في العصر العباسيّ، نجد المأمون نموذجًا لمن قام بعمليَّة مثاقفة انفتح فيها التراث الإنسانيّ كله؛ ولكن صحب ذلك نوع من المصادرة لحريّة الرأي، وحرمان المخالفين بالقوة من التعبير عن آرائهم المخالفة لرأي الخليفة ومشايعيه، واستمرت عمليات اضطهاد المخالفين ثمانية عشر عامًا، شملت ما بقي من فترة خلافته، وخلافة أخيه المعتصم وجزءًا من خلافة المتوكل الذي أعاد للناس «حريَّة التعبير»، وأبطل ما أسس له سابقاه من بدعة القول «بخلق القرآن». وتعد خطوته إصلاحيَّة من هذه الناحية، وإن لم تخل من الانتقام من بعض عناصر الاعتزال التي شايعت أخويه وأغرتهما باضطهاد المخالفين. وهو الذي أسّس لمذهب «أهل السنّة والجماعة». فإذا غضضنا الطرف عن بعض المخالفات، فإنّ الرجل يمكن اعتباره إصلاحيًّا في إطار «القول بحريّة المخالف في إبداء رأيه» وحمايته من خصوم ذلك الرأي ومخالفيه، وكان عمله في إطار الرد إلى الأمر الأول الذي أسس القرآن المجيد له والتزم به رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلّم- طيلة حياته. والتزم به خلفاؤه الراشدون من بعده. والآثار في ذلك كثيرة.

 ويمكن الاسترسال في ذكر كثير من المحاولات الإصلاحيَّة، ومنها ما قام به آل زنكي وصلاح الدين الأيوبي، وبعض سلاطين آل عثمان. هذا على مستوى المحاولات الإصلاحيّة التي بادر بها أئمة وعلماء كبار عرفوا بالمجددين، فالأئمة مالك وأبي حنيفة والشافعي والبخاري ومسلم وأحمد بن حنبل، وأسد بن الفرات والغزالي وشيخه إمام الحرمين وأبو الحسن الأشعريّ وغيرهم مرورًا بالإصلاحيين الذين عرفهم تاريخنا؛ أمثال عبد القادر الجيلاني، وابن تيمية ومدرسته حتى القرن التاسع عشر الذي شهد محاولات بعض مشايخ الأزهر، وبعض كبار العلماء في العالم الإسلاميّ مرورًا بالأفغاني  والكواكب ومحمد عبده ورشيد رضا، والنائيتي والدهلوي والشوكاني وسواهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *