بقلم: طه جابر العلواني
بدايةً أود أن أعزي كل مصريّ ومصريَّة بالأحداث الفاجعة التي وقعت مساء الأحد تسعة أكتوبر. أعزيهم لفقدان من فقدوا ولأجواء الحزن والأسف والحيرة والخوف والارتباك التي أثارتها هذه الأحداث ونتائجها. وقد كنت منذ أن سقط العراق أرى أنّ أمن إسرائيل الذي ربَّعت أمريكا فيه الأقانيم الثلاث فصارت أربعًا: “أب، ابن، روح القدس، أمن إسرائيل”، فمنذ ذلك التاريخ والمنطقة العربيَّة –كلّها- تمر بظروف في غاية الحرج لا تزيدها التحليلات السياسيّة الصادرة عن مراكز البحوث الغربيَّة والمراكز التي تدور في فلكها في العالم العربيّ والإسلاميّ إلا غموضًا وخبالًا وحيرة وارتباكًا.
كنت أعلم من دراساتي للتاريخ الإسرائيليّ وللتاريخ العربيّ، وتتبعي لمسيرة الأمتين العربيَّة المسلمة واليهوديَّة الصهيونيَّة أنَّ أي حدث حصل أو يحصل في المنطقة منذ أن تأسست المؤسسة الصهيونيَّة في أواخر القرن التاسع عشر حتى اليوم ينبغي أن تؤخذ فيه إسرائيل وأمنها ومصالحها في نظر الاعتبار؛ لأنَّ للعلاقة بين الأمتين والتاريخين تأثيرٌ لا شك فيه في كل حدث في المنطقة؛ فينبغي على الباحث ألاّ يهمل شيئـــًا من مقتضيات هذه العلاقة عند الدراسة والتحليل. ونعود بالذاكرة إلى حرب الخليج الثانية_أو ما عُرف بعاصفة الصحراء_ حين عقد مؤتمر في واشنطن للتخطيط للحرب وحشد ثلاثين دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لحرب “صدام”. وأمريكا تعلم من هو “صدام” وما حقيقة جيشه الذي نفخته وضخَّمته إعلاميَّـــًاحتى جعلته يصدِّق أنَّ جيشه يمثل رابع قوة كبرى في العالم، مع علمنا جميعًا بأنَّ الحقائق على الأرض تقول غير ذلك؛ لكنّ أمريكا العظمى ومعها إسرائيل تحاول أن تنفخ كيس الملاكمة قبل أن تنزل إلى حلبة التدُّرب فيه، وصدام وقواته بالنسبة لهم لم يكونوا أكثر من كيس الملاكمة الذي يرغبون الّلعب به والتدرُّب بلكمه وضربه على ما ينوون فعله أو يعدون أنفسهم لفعله حقيقة بعد ذلك. وحين دخلت قوات التحالف الكويت وقامت الحرب، سحقت الدبابات الأمريكيَّة تحت سنابكها خمسين ألف جندي عراقيّ كانوا في خنادق ترابيَّة تافهة ساذجة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تحمي من الرياح، فضلًا عن أن تحمي من تلك الترسانة الأمريكيَّة المجهزة بأحدث الأسلحة. وبعد أن ضرب السبع الأمريكيّ ضربته وكاد يقضي على الجيش العرمرم الذي جيَّشه صدَّام، وجعل منه الإعلام الغربيّ والإسرائيليّ رابع قوة في العالم، أطلق الجيش الأمريكي جنود الدول التسع والعشرين المتحالفة معهفي أعقاب فلول الجيش المنهزم، الذي لم يجد بعض جنوده المساكين رايات بيضاء يعلن بها استسلامه سوى بعض الملابس الداخليَّة البيضاء التي حملوها كما هي، وأخذوا يلوحون بها للمنتصرين وأعوانهم للإعلان عن استسلامهم. ثم وقعت حادثة تقبيل جندي عراقيّ تافه لحذاء جنديّ أمريكيّ كان يربت على رأسه الذليل المنكب على حذائه قائلًا ( you are ok) (it is ok). إنَّ مجيء صدام نفسه واستبداده بالسلطة لم يكن سوى مرحلة من مراحل الطريق الطويل لإيصال العراقيّين إلى مستنقع الذل الذي أُغرقوا فيه، ومن ورائهم العرب والمسلمون؛ ولذلك فإنّ مسلسل الإذلال لم يتوقف بل استمر، وأعطي “صدام” -صاحب المسئوليَّة الأولى والأخيرة عما حدث- فرصة البقاء في السلطة بعد ذلك ما يقرب من ثلاثة عشر عامًا؛ لينتهي المخطط الأول بتركيع العراق وتمزيقه وتدمير كل مقومات الدولة والوطن والشعب فيه وإعادته كما قال “بوش الأب”: إلى القرن الثامن عشر، مجرد قبائل ممزقة تسكن في أرياف أو في قرى أو مدن خالية من كل الوسائل الحديثة، لا ترشحها لأي لقب يزيد عن كلمة قرية بدون ماء ولا كهرباء ولا مجاري للصرف الصحي، بيئة موبوءة بشتى الأمراض بحيث أصبحت الإصابة بالسرطان وما إليه من أمراض خطيرة من الأمور الشائعة التي تفترس الملايين من أبناء العراق صغارًا وكبارًا؛ ولذلك فحين دخل الجيش الأمريكيّ بغداد واختبأ “صدام” في الحفرة الشهيرة إلى أن ألقي القبض عليه كان أول وأهم المسؤولين الأمريكان الذين دخلوا العراق المفتوح المدمَّر السيد “بول ولفوتز” نائب السيد “رامسفيلد” وزير الدفاع. وكان أول ما فعله “بول ولفوتز” بعد دخول بغداد القيام بصلاة الشكر اليهوديَّة وهو يرتدي اليامَكَة، ويعتمر الكوفيَّة الإسرائيليَّة المعروفة، وقبل أن يستريح في قصر “صدام” الذي أُعد لإقامته، طلب أن يؤخذ إلى بابل. وقد ذكر شهود العيان أنَّه حين وصل أرض بابل ووقف عليها أجهش ببكاء الفرح، ولعله حين وقف قرأ: ما ورد في المزمور رقم (37):
“على أنهار بابل هناك جلسنا
بكينا أيضاً عندما تذكرنا صهيون
على الصفصاف في وسطها علقنا أعوادنا
هناك سألنا الذين سبونا كلام ترنيمة
ومعذبونا سألونا فرحاً قائلين:
رنمو لنا من ترنيمات صهيون
كيف ترنم ترنيمة الرب في أرض غريبة
إن نسيتك يا أورشليم لتنسني يميني
ليلتصق لساني بحلقي إن لم أذكرك
إن لم افضل أورشليم على أعظم أفراحي
يا بنت بابل: طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة”
كما جاء في التلمود، إن الإله يهوه ندم على أربعة أمور خلقها وهي:”الأول: السبي البابلي، فجاء على لسانه: “تبا لي لأنَّي صرّحت بخراب بيتي وإحراق الهيكل، ونهب أولادي([1]). الثاني: الكلدانيون. الثالث: العرب، ذرية إسماعيل. الرابع: نزعة الشر. وفي الإصحاح التاسع والعشرون من سفر حزقيال: “نبوءة بخراب أرض مصر” في رقم ثمانية: قال السيد الرب: ها أنا ذا أجلب عليك سيفا وأستأصل منك الإنسان والحيوان وتكون أرض مصر مقفرة وخربة فيعلمون أنّي أنا الرب … وأجعل أرض مصر خربة مقفرة من مجدل إلى أسوان إلى تخم كوش لا تمر فيها رجل إنسان ولا تمر فيها رجل بهيمة … وأشتت المصريين بين الأمم وأبددهم في الأراضي… وأقللهم لكيلا يتسلطوا على الأمم”. وفي 18 من الإصحاح نفسه يقول: “قال السيد الرب: “ها أنذا أبذل أرض مصر لنبوخذ نصَّر ملك بابل فيأخذ ثروتها ويغنم غنيمتها، وينهب نهبها فتكون أجرة لجيشه”. وفي الإصحاح الثلاثين رقم 6: “ويسقط عاضدو مصر وتنحط كبرياء عزتها من مجدل إلى أسوان يسقطون فيها بالسيف، فتقفر في وسط الأراضي المقفرة وتكون مدنها في وسط المدن الخربة فيعلمون أنّي أنا الرب عند إبرام نارا في مصر ويكسر جميع أعوانها”. ولم يلتفت أي معلِّق أو محلّل سياسيّ أو استراتيجيّ أو … أو … إلى ذلك ولم يعطنا صورة عما حدث وكيف حدث.
إنَّ بني إسرائيل الذين استولت على مقدراتهم اليوم الحركة الصهيونيَّة المتطرفة وأخذت تقودهم نحو تحقيق أهدافها كما رسمتها لا تستطيع أن تطمئن على مستقبل إسرائيل وأمنها وهناك العراق ومصر. لقد فرغت القوى الصهيونيَّة والصهيونيَّة المسيحيَّة من العراق وانتهت منه على يد واحد من أبرز أعضائها وهو “بول ولفوتز” الذي استطاع أن يورط الحكومة الأمريكيَّة –كلها- مستغلًا سذاجة بوش وإدارته في تدمير العراق وإنهاء وجوده، وإعادة ضخ النفط العراقي إلى إسرائيل مجانًا، أو بأسعار تنافس أسعار الغاز المصريّ في رخصها. وحين انتهوا من العراق التفتوا إلى مصر، ومصر لا تقل عن بابل في نظر الحركة الصهيونيَّة والمتطرفين اليهود. فمصر بلد الفراعنة الذين اضطهدوهم وبنوا أهراماتهم على جثث بعضهم، وأخرجوهم من مصر فخرجوا بقيادة نبي الله موسى وأخيه هارون خائفين م مترقبين. ولكنَّ الله –تبارك وتعالى- أراد أن يتم أمره ويبلغ بهم ما قدره فنجاهم بمعجزة وأخرجهم من أرض مصر سالمين، وأغرق فرعون وجنوده في اليم، وجعله وهو يعاني الموت وسكراته يقول: ﴿آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (يونس:90)، ورد الباري –جل شأنه عليه: ﴿آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾ (يونس:91-92)، بالرغم من ذلك فإنَّ الجيل المسؤول عن اضطهاد بني إسرائيل قد تم إغراقه في تلك المرحلة المبكرة وانتقم الله لهم منه، لكنَّ اللعنة الصهيونيَّة لا يكفيها أبدًا أي انتقام إذا لم يتم بأيديها الدمويَّة الملوثة.
مصر كنانة الله في أرضه، شعبها من أطيب الشعوب وأكثرها بساطة وطيبةً واستعدادًا لبذل الجهد والقيام بأشق الأعمال، والصبر عليها. وكل هذه صفات تؤهل هذا الشعب ، وللنهوض بعد الكبوة، وللبناء بعد الهدم، فكيف تستطيع الحركة الصهيونيَّة أن تنام رغدا وتطمئن على أمن الدولة دولة إسرائيل وهي ترى أنَّ الدولة التي حلمت بها عبر قرون عديدة تعيش إلى جوارها، مصر بشعبها هذا، الذي يحمل كل تلك الصفات الإيجابيَّة .لا أظن أن جفنا صهيونيّــــًا يمكن أن يغمض، ومصر تعيش بجوار إسرائيل قويَّة موحدة، شعبها متجانس متديّن كله، مسلموه ومسيحيّوه، لا تفرق بينهم طوائف. ومسيحيّوه ينتمون إلى كنيسة شرقيّة لا يستطيع الغرب أن يؤثّر عليها كثيرا، أو يستدرجها إلى سياسات يضمن بها أمن الدولة الصهيونيَّة التي بلغت في رجعيّتها وجمودها وتحجرها شأوًا لم تبلغة دولة في عالم اليوم أبدا، وهي المناداة بأن تكون الدولة يهوديّة فقط لا يساكن اليهود فيها أي إنسان من أي دين آخر. وبعد هذا الإعلان تجد مصر بجوارها تسعى لتوحيد الفلسطينين ويأبى البابا شنودة بابا الكنيسة الأرثوذكسية القبطيَّة أن يسمح لأحد من الأقباط بزيارة بيت المقدس وهو تحت الاحتلال الصهيونيّ اليهوديّ. إذن فلتتمزق مصر. وإذا أعيد العراق إلى القرن الثامن عشر فلتعد مصر إلى ما قبل ذلك إن أمكن، ويجب تفكيك شعبها وإدخال كل أنواع الفِرق والطوائف والأحزاب السياسيَّة بحجج مختلفة لإضعاف وحدة هذا الشعب؛ ولذلك بدؤوا بالكنيسة الأرثوذكسية فشجعوا كنائس أخرى لتعمر مشاهدها، ومشاهد دعوة الأقباط النصارى للانضمام إليها، وكل أبناء مصر يعرفون الكنائس الجديدة التي حاولت أن توجد داخل النصارى من أقباط مصر تمزّقـــًا وتفتّتــــًا. كذلك جرت المحاولات وما تزال تجري لإيجاد فرق وطوائف إسلاميّة جديدة في صفوف المسلمين المصريّين الموحدة إضافة إلى إدخال تيّارات فكريّة لم يألفها المصريّون، وفيها من التوجهات ما لا يتناسب وطبائع هذا الشعب. وبعد استكمال عمليّات الفحص وجس النبض وتحقيق بعض النجاح في داخل الكتلتين التقليديّتين لشعب مصر: المسلمين والنصارى عن طريق إيجاد كنائس جديدة تنافس الكنيسة القبطيّة على تدين وولاء وحب أقباط مصر من جهة، وعن طريق إضعاف الأزهر، وجميع المرجعيّات الدينية المسلمة، وفتح الأبواب لتيارات جديدة لم تكن معروفة من قبل من جهة ثانية. والآن، جاء وقت اختبار إمكان التصعيد وزرع الفتنة وتفريق هذه الكتلة البشريَّة المتماسكة؛ لضمان ح حماية الأيقونة الرابعة “أمن إسرائيل”. وقد جاءت الظروف التي سمحت بأن تبقى حدود مصر مفتوحة لتهريب الأسلحة إلى داخلها، فالحدود الليبيَّة مفتوحة، والأنفاق التي كانت تستعمل من قبل بعض الناس بين غزة وسيناء جاء وقت استعمالها بطريقة أخرى وإيصال الأسلحة بأرخص الأثمان إلى أيدي المصريين. وفي ظل أجواء الخوف والحيرة والترقب والتدهور الاقتصادي والجوع والمرض والمستقبل المجهول، تصبح حساسية الناس مفرطة واستعدادهم للغضب والثورة شديد، زهذا الوضع يعطي أفضل الأجواء للقيام بعمليات الاختبار لتحديد ساعة صفر لكل مرحلة من المراحل القادمة؛ لأنَّ الهدف الأخير هو جعل مصر كالعراق مع اختلاف طبيعة الشعبين وظروفهما، وخصائص التكوين، وأخذ ذلك كله بنظر الاعتبار لدى القائمين على التخطيط للمؤامرة. والمحصلة النهائية هي المحافظة على الأيقونة الرابعة (أمن إسرائيل).
إنّ استهداف الجيش المصري منذ سنة (1948) بالأسلحة الفاسدة ثم العدوان الثلاثي (56) ثم حرب اليمن، ثم حرب الأيام الستة في يونية (67) وحرب أكتوبر (73) ليس بعيدًا عن (الأيقونة الرابعة)، وعلى الرغم من هذا الاستهداف المتكررفإنّ هذا هذا الجيش قد أثبت أنَّه خير الأجناد في المنطقة. فعلى الرغم من تقليص صناعاته وإيقاف التصنيع الحربيّ وتقليص أعداده وتقييد أماكن تحركه ووجوده، فإنّ ذلك لم يفت في عضده، وبقي رغم كل تلك الحروب قويا قادرا على حماية شعب مصر. وشعر الجميع أنَّ لجيش مصر خطة سلمية لتحقيق التنمية وإعادة الحياة والخبرة والنشاط للعامل المصري، وجعله منافسا في الخليج وفي المنطقة لكل أنواع العمالة، وأنَّ هناك أربع عشرة مليون فرصة عمل تنتظر العامل الفنّي المصريّ –إذا طوّر خبراته- في عمقه الاستراتيجي ومنطقته العربيَّة والخليجيَّة، وأنَّ ذلك سوف يقلب كافة الموازنات.
إنّ أحداث الأمس في ماسبيرو فيها معاني رمزية كثيرة جدا. المعنى الأول ولعله الأهم هو ضرب رمزيَّة الجيش المصريّ في شهر أكتوبر الذي احتفل فيه الجيش المصريّ بانتصاره على إسرائيل فيه في السادس منه.، المعنى الثاني: الانتقام لما اعتبرته إسرائيل تقصيرا من الجيش المصريّ في حماية أنابيب الغاز التي تضخ في الشرايين الإسرائيلية. المعنى الثالث: فيما حدث انتقام لأحداث السفارة الإسرائيليّة التي لم يخف على قادة الصهيونيَّة أنَّ الجنديّ المصريّ الذي كان يحرس سفارة إسرائيل وموظفيها لم يكن في عواطفه ومشاعره وازدرائه للاتجاهات الصهيونيَّة البغيضة، يختلف عن ذلك المتظاهر الذي يحيط بالسفارة ويهددها. فجاء الرد عاجلا بأكثر مما نتصور وبأسرع ما يمكن. وسرعة الرد وعنفه من الأمور التي تؤشر بوضوح إلى الذين هم وراء التصادمات التي حدثت. المعنى الرابع: فشل السيد وزير الدفاع الأمريكي بأن يعود بالجاسوس المزدوج الجنسية الأمريكي الإسرائيلي إلى ذويه دون قيد أو شرط، فوجد القادة المصريين يصرون على ضرورة إعادة الأسرى المصريين، وتحويل الأمر إلى صفقة بين طرفين متساويين، لا إلى آمر ومأمور.
فما العمل الآن لعدم تكرار مثل هذه الأحداث المؤسفة؟
- كشف جميع الملابسات بدون أيّة مواربة، وفضح جميع من وراءها بأسمائهم وصفاتهم وفئاتهم؛ لأنَّ أجواء الخوف والترقب والكراهية والفتنة لا يمكن أن تزول دون معرفة الجناة الحقيقيّين ليتجه غضب الشعب إليهم، سواء أكان ذلك الشعب من المسلمين، أو من النصارى وهو أمر ضروريُّ جدًا جدًا جدًا.
- العمل على معرفة جميع المنابع التي تستغلها الجهات العدوة لمصر وتجفيفها بأسرع ما يمكن والكشف عنها. ولعل من أهم هذه المنابع بعض الثقافات أو المواقف الثقافيَّة التي أوجدتها دراسات منحرفة تنسب إلى حقول الدراسات الدينيَّة التي شحن بعضها بثقافة مفادها بأنَّني وأبناء ديني على حق وأنَّ غيرنا على باطل، أو في أقل الأحوال بأنَّنا نمتلك الحقيقة المطلقة، وغيرنا يمتلك وهما وخرسا وظنّـــــًا وفي مستويات أخرى قد يقال: بأنَّنا نمتلك الصواب وغيرنا على الخطأ. فهذه الأمور حينما توضع في سياقاتها وتدرس بشكل ملائم مقرونة بنزعة التسامح وذلك على سبيل المثال يمكنني أن أضع لوحة أجعل لها وجهين: الوجه الأول أضع عليه شيئا ما من معتقداتي وأقول: إنَّني أعتقد بكذا وأضع في الجانب الثاني معتقدات الطرف الآخر في المسألة ذاتها، وأبين شيئا عن أسباب اختلاف النظرة يقنع بأنَّ هذا الاختلاف هو أمر طبيعيٌّ لا يستغرب ولا تثريب على أهله أو أصحابه، واعتباري له خطأ واعتباره أنَّني مخطي في موقفي لا يعني أنَّنا لا ينبغي أن نتعاون، وأن نتكاتف ونتسامح وأن نتعايش في وطن مشترك، ونمارس حياة مشتركة دون صراع، والأمثلة التاريخية التي تعزز مثل هذه التوجهات كثيرة جدًا.
- الحيلولة بين أجهزة الدولة والنظام والحكم وممارسة أيّ نوع من الظلم أو التفريق بين المواطنين فليس هناك شيء يهيئ أمّة مّا أو شعبا مّا للتفكك والصراع والاحتراب الداخليّ مثل فقدان العدالة وشعور الإنسان بأنَّ أخاه الآخر يضطهده ويمنعه من الوصول إلى حقه فتحقيق العدالة يعالج كثيرًا من الأمراض باعتبار العدالة أعلى القيم القرآنيَّة والإسلاميَّة وبشكل مطلق لا علاقة له بدين الإنسان أو مذهبه أو طائفته أو قبيلته. فالعدل يعد علاجا شافيا لكثير من الاستعدادات المنحرفة التي يمكن أن تؤدي إلى افتراق وتنازع واختلاف.
- إعادة النظر في جميع برامج التعليم من الابتدائيّ حتى الجامعيّ وجميع برامج الإعلام والتثقيف، وبنائها على فقه مسؤوليّة الكلمة والفكرة وعدم السماح بالانحراف، والتفرقة، وبناء ثقافة التسامح.
- تسخير الجامعات ودور العلم والصحافة والإعلام لعقد ندوات مشتركة عديدة في كل يوم لإيجاد الوعي الكفيل بتحصين أبناء الشعب ضد مثيري الفتن وإعدادهم ليكونوا على وعي بأهداف خصومهم وطرائقهم ومناهجهم في إثارة الفتن وإيجاد أجواء النزاع والاحتراب.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحمي مصر وشعبها كله وأن يصونها ويصونه ويحفظ البلاد والعباد من كل سوء.
والله ولي التوفيق
[1] وانظر مثله في العهد الجديد سفر يونان الإصحاح الثالث.