Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

التقريبُ بين المذاهبِ ودعائمُه

د.طه جابر العلواني

حين تبتعد الأمَّة عن مصادر هدايتها وتكوينها وبنائها، أو تسيء فهمها، تقسو منها القلوب، وتتنافر النفوس، وتنفكُّ روابط الائتلاف، وتسود الوحشة، وتسقط الألفة، وتغرى بين بَنِيها العداوة والبغضاء، ويضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولإعادة الألفة بينهم، وإزالة النفرة والوحشة عن قلوبهم لابد من الرجوع إلى الله والإنابة إليه، والضراعة بين يديه لإعادة الألفة، وإرجاع الناس إلى المحبَّة، ومجافاة أسباب العداوة والبغضاء، وتجفيف مصادرها ومنابعها. و«التأليف» بين القلوب عمل إلهيٌّ، وتدبير ربانيٌّ: ﴿وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ*وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (الأنفال:62-63)، وحين تتغيَّر القلوب وتتعكر النفوس لابد من اللجوء إليه، وتصحيح العلاقة به؛ لأنَّ الله هو مقلِّب القلوب؛ ولذلك كان رسول الله يُكثر من دعاء الله بقوله: “اللَّهم يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك”، فهو الذي يُثبِّت القلوب على الإيمان وعلى الحب والولاء والتقوى، لا أحد سواه. والرجوع إلى الله وتصحيح الصلة به هما ملاك «التأليف» بين القلوب المؤمنة، ومنطلق بناء قواعد المحبَّة ودعائم الأخوة، وتثبيت القلوب عليها.

وبعد ذلك علينا أن نأخذ بالأسباب، فلا اختلاف في المواقف، ولا تنازع في الثوابت؛ لئلا تختلف القلوب، وقد كان رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلَّم- يرصُّ صفوف المصلِّين ويُسوِّي بينهم بالأكتاف والأقدام، ويُحذِّرهم من اختلافهم الحسِّيِّ لئلا تختلف قلوبهم. وفقه الكلمة -عندي- فقه كبير الأهميَّة، لا يقلُّ أهميَّة عن أي فقه آخر، مثل «فقه المعاملات» أو «فقه الجنايات» أو «فقه العبادات»، ولهذا الفقه أدلته وقواعده وأصوله وفروعه ونتائجه، وما إلى ذلك من أمور تستحق البسط والتفصيل.

ومما يُعد من أبواب هذا الفقه الخطيرة «فقه الكلمة في زمان الفتنة»، فإذا كانت الكلمة -أيًّا كانت- تُمثِّل كائنًا حيًّا يخضع صاحبه للمسؤولية عنه، وتترتب عليه آثار مختلفة، فإنَّ هذه المسؤوليَّة وهذه الآثار تتضاعف أضعافًا كثيرة في وقت الفتنة، فيجب على كل مؤمن أن يلاحظ ذلك، فلا يقول -إذا قال- إلا خيرًا، أو فليصمت.

وقاعدة أخرى هي «استرجاع التسمية الإلهيَّة لهذه الأمَّة»، فالله سمَّاها «أمَّة مسلمة»: ﴿مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ (الحج:78)، وربط خيريَّة هذه الأمَّة ووسطيَّتها بالالتزام بما اشتق منه اسم هذه الأمَّة، وهو «الإسلام»، والالتزام بهذا عصمة لمن التزم به، وهو أهم وسائل «الاعتصام بحبل الله»، والأسماء الأخرى أسماء لم تأتِ -بما اختاره الناس منها- نصوص ربانيَّة قطعيَّة بها. وتجاوز التسميات التي أفرزتها الفرقة، وما شاع من مقولات نتيجة لها، أول مراحل التقريب.

الدعامة الأخرى: ضرورة معرفة «فقه الفتنة»، وإشاعة الوعي بأصوله وقواعده وفروعه بين فصائل الأمَّة؛ لئلا نترك الأمَّة فريسة لـغلوِّ الغالين، وتحريفات المبطلين، وانتحالات الجاهلين، واستغلالات الطامعين، واندساسات المعادين، ومؤامرات المغترِّين.

الدعامة التالية: هي إحياء الإيمان بـ«وحدة الأمَّة»، وبأنَّ «وحدة الأمَّة» ركن ودعامة أساس للتوحيد، وأنَّ الإخلال بهذه الوحدة -لأي سبب من الأسباب- إخلال بالتوحيد، بل هو أحد نواقض التوحيد، وتوعية الأمَّة بالتفاصيل القوليَّة والفعليَّة والسلوكيَّة التي تُناقض وحدة الأمَّة أو تنال منها، وبيان كون ذلك كلّه من كبائر الذنوب، بقطع النظر عن أسباب ممارسته.

دعامة أخرى: ألا نتخذ الدين قوميَّة، والمذهب قبيلة وعشيرة، والطائفة حزبًا، فإنَّ في ذلك كلّه تجاوزًا للدين، واستغلالا له، ونفاقًا فيه.

و«الطائفيَّة السياسيَّة» تقوم على ذلك كلّه؛ ولذلك فإنَّنا نراها تجنِّد من لا دين له ولا مذهب لتسخير جماهير غافلة تضعها في مناخ عقليٍّ ونفسيٍّ يحملها على الاستسلام لتلك القيادات المستَغِلَّة.

دعامة أخرى: وهي مراجعة الثقافات والموروثات في البلدان التي تتعايش فيها طوائف عدة، وتحليل تلك الثقافات، وإرجاعها لأصولها، وتوعية الناس بها، وكشف ما فيها، وعلى العلماء والإعلاميِّين والتربويِّين العمل على فرزها، وتقديم بدائل قرآنيَّة عنها.

دعامة أخيرة هي: توعية أبناء الأمَّة بحاضرهم، وبكل ما فيه من سلبيَّات وإيجابيَّات، وبناء المشاريع الإصلاحيَّة لهذا الواقع، وضرورة تجاوزه ببناء «إرادة التغيير» و«فاعليَّة الإصلاح»، وضرورة أن يكون قائمًا على «الشرعيَّة» المنبثقة من مصادر تكوين الأمَّة ورغبةِ واختيارِ شعوبها.

أمَّا الماضي، فالقاعدة الإلهيَّة فيه: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ (البقرة:141).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *