Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الإسلاميون بين المصحف والسيف

 

د.طه جابر العلواني

كلمة «إسلاميّ» نسبة على غير قياس إلى الإسلام، وهى كلمة لم تَشِع ولم تنتشر في الصدر الأول، وبدأ تداولها أولاً بين علماء الفرق، بعد فُرقة المسلمين، وظهور المقالات والمذاهب والفرق والطوائف، وكأنَّ علماء الفرق والمؤرخين لها حينما رأوا حدَّة الاختلاف والتعصب، ورجم كل من الفرق لمخالفيها بشتى الألقاب، ومنها ألقاب: البدعة والفسق والخروج عن الملَّة والكفر، أرادوا أن يُشعروا جميع تلك الفرق المتناحرة، وسائر أصحاب المقالات، بأنَّهم -جميعًا- مهما اختلفوا فإنَّ «عباءة الإسلام» الواسعة قادرة على ضمهم جميعًا في ثناياها، فلا داعي للتشبُّث بالأسماء الخاصَّة المميِّزة الحادثة لكل فرقة أو نحلة أو مقولة أو مذهب.

فكلُّكم إسلاميون في منطلقاتكم، وإسلاميون في غاياتكم، فلا ينبغي أن يكفِّر بعضكم بعضًا؛ ولذلك كتب الإمام أبو الحسن الأشعريّ كتابه المشهور «مقالات الإسلاميين».

أمَّا في عصرنا هذا؛ فقد شاع استعمال مفهوم «الإسلاميِّين» للإشارة إلى العناصر التي انخرطت في أعمال ونشاطات ذات صبغة سياسية، وصار يطلق عليهم: دعاة أو حملة الإسلام السياسيِّ، ويُطْلِق عليهم الإعلاميُّون لقب «الإسلامييِّن»؛ تمييزًا لهم عن بقية الناس الذين يحملون التسمية القرآنيَّة الإبراهيميَّة: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ (الحج: 78)، وهى ترجمة حرفيَّة لكلمة «Islamist» الإنكليزية، انطلاقًا من أنَّ الإسلام يمثِّل مرجعًا «أيديولوجيًّا» لهؤلاء في نظر الغربيين.

وأيًّا كان الأمر؛ فإنَّ الإسلام أكبر كثيرًا من كل تلك التصورات؛ فالإسلام دين الأنبياء كافةً، وأمَّة الأنبياء أمَّة واحدة بهذا الدين العالميِّ، وبه واجه الأنبياء كافة مشاريع إبليس وجنده لإضلال البشريَّة، وإبعادها عن التوحيد النقيِّ الخالص، والحيلولة دون عودة أيٍّ منهم إلى الجنة، بعد أن أخرج أبوي البشريَّة منها.

«فالمرجعيَّة الإسلاميَّة» -في نظر البعض- يمكن اختزالها في برنامج سياسيٍّ أو اجتماعيٍّ محدود، لإقليم محدود، في إطار جغرافيٍّ بشريٍّ، فذلك يجعل أصحاب ذلك المشروع ينوؤون بثقل ذلك المشروع، الأوسع والأكبر من قدراتهم، وسوف يجدون أنفسهم أمام أنواع هائلة من ضغوط الفهم والتأويل، والصيغ التطبيقية المختلفة، في واقع تاريخي متغيِّر متنوع.

لكن المطلوب هو تجريد القيم القرآنيَّة والإسلاميَّة الكبرى، والعمل على تبنيِّها، والاجتهاد في الآليَّات والوسائل المتطورة لتحقيق تلك القيم؛ فهناك قيم: «التوحيد، والتزكية، والعمران، والعدالة في التوزيع، ودرء المفاسد، وتحقيق المصالح… إلخ»؛ فهذه القيم هي التي ينبغي أن تكون المرجعيَّة، وهي التي ينبغى أن تجري توعية الناس بها، وقياس أداء الجميع إليها، حكَّامًا ومحكومين، إسلاميين وغيرهم.

والمرجعيَّة القرآنيَّة والإسلاميَّة تصبح مصدرًا لإيجاد الفاعليَّة لدى الأمة، وهي تحاول تنفيذ هذه القيم، وإحاطتها بسياج من الشرعيَّة، يُقلِّل من احتمالات انتهاكها، وتوحيد الأمة بها وحولها؛ إذ إنَّ البديل عن ذلك هو التعلق بالشكليَّات، وتوظيف فكر: المخارج والتحايل والحيل؛ لتجنيد الجماهير حول مشروع ينتهي إلى تلك النهايات التي حفل بها واقعنا التاريخيِّ، وتاريخنا الحديث كذلك.

إنَّ القرآن المجيد يحمل خطابًا كونيًّا يحمل كل مواصفات وخصائص الخطاب الكونيِّ؛ الذي يسع الكون وأزماته -كلِّها-، ومشكلاته جميعها، إذ هو -وحده- المعادل للوجود الكونيُّ وحركته، القادر على استيعاب مشكلاته وتجاوزها، وإخراج البشريَّة -كلّها- من الظلمات إلى النور:﴿الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ (إبراهيم:1). وحملة القرآن مطالبون أن يحملوا هذا القرآن إلى البشريَّة، ويستوعبوا به سقفها المعرفيَّ، ونسقها الثقافيَّ، ويعالجون به أزماتها؛ ولذلك أُمر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يجاهدهم به جهادًا كبيرًا: ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ (الفرقان:52). أما السيف فله حديث آخر، والله -تعالى- الهادي إلى سواء السبيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *