Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

العالميتان الإسلاميَّتان وخصائصهما

د.طه جابر العلواني

 في منتصف القرن السابع الميلادي كانت الإنسانية على موعدٍ مع العالمية الإسلامية الأولى، فحين نزل القرآن المجيد في جزيرة العرب، المسكونة بقبائل متفرقة، متشرذمة، وثنيَّة، أميَّة[1] أخرجَ العرب من جاهليتهم وهَدَاهُم «ليكونوا خير أمَّة أخرجت للناس»، وقاد حركة فتوحاتهم للشعوب والقبائل التي ضلَّت وأضلَّت، ثمَّ حظيت بالهداية، ونجت بالفتح الإسلامي في الدنيا والآخرة؛ ولذلك فإنَّ العروبة -منذ ميلادها- تشكَّلت عالميًّا، ولم تتكوَّن إقليميًّا أو عنصريًّا، ونلمس هذا الفهم في كلمات الفاتح طارق بن زياد عندما قال للبحر: «لو أعلم أنَّ وراءك بشرًا لعبرتك إليهم لإيصال رسالة الله».

وفي تلك العالميَّة الأولى فهم العرب القرآن في إطار البناء اللفظيِّ، والنظم، والأسلوب، والإعجاز البيانيِّ، واجتهدوا في الاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- والتأسِّي به واتِّباعه -منهجًا وسبيلا- لفهم القرآن، وفقه الإسلام، واتَّخذوا الجيل الأوَّل بمثابة «الإطار المرجعي» الذي قام على «التطبيق التحوُّلي» في إطار الخصائص المحليَّة.

إنَّ عناصر إطلاقيَّة الكتاب الكونيِّ -الذي أخرج العالميَّة الإسلاميَّة الأولى- تكمن في الوحدة المنهجيَّة الكامنة في نصوصه، التي ستجعل مكنون معانيه يتكشَّف عبر العصور والأزمان، ومن ثَمَّ تقع الإمكانيَّة التاريخيَّة الممكنة والكامنة لانبعاث عالميَّة إسلامية ثانية.

إنَّ إنسان العالميَّة الإسلاميَّة الثانية سيكتشف المنهج القرآنيَّ الكامن؛ بالتدبر العميق للقرآن الكريم، وبالجمع بين القراءتين، بحيث يصبح الكون وحركته من أهمِّ وسائل تفسير القرآن بالقرآن، وآنذاك لن يعاني الإنسان من الانقسام الحادِّ بين «الغيب والطبيعة والإنسان»، بل إنَّ الاتصال الوثيق الواضح بين العناصر الثلاثة سيجعل الإنسان قادرًا على البحث عن «الناظم المنهجيِّ» في سور القرآن وآياته؛ ليقترب من فهم «منهجيَّة القرآن المعرفيَّة» ومجابهة الحضارة الوضعيَّة العالميَّة الراهنة بها.

كما إنَّ إنسان العالميَّة الإسلاميَّة المرتقبة لن ينظر إلى الإسلام على أنَّه مصطلح خاصٌّ بالدعوة المحمديَّة وحدها؛ ولكنَّه سيدرك أنَّها حلقة واحدة من حلقاته، فالإسلام هو الدين الحق الذي جاء به الأنبياء كافَّة، وفي مقدِّمتهم أبو الأنبياء إبراهيم: ﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (آل عمران:95)، ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا﴾ (النساء:125)، فالبعد التاريخيُّ للإسلام يضرب بجذوره بعيدًا؛ ليتَّصل بالإبراهيمية دون مرور بالعصبيَّات والاتجاهات الحصريَّة القوميَّة والعنصريَّة: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ﴾ (آل عمران:67)، فالإسلام هو الدين كلّه ذو البعد العالميِّ، الذي يأخذ بأيدي الناس -كافَّة- باتجاه الجوهر الأصليِّ للدين، متمثِّلا «بالحنيفيَّة الإبراهيميَّة»؛ ليكون الدين -كلّه- لله. وينتفي عن الدين ما يؤدي إلى الصراع، بل يدخل المؤمنون في السِّلم كافَّة: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ (البقرة:208).

[1]  الأميُّ في مفهومنا: من لاكتاب له، واقرأ قوله تعالى: [هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ {2} وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {3} ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ] (الجمعة:2-4).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *