Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

التضامن وفقه الأولويَّات

د.طه جابر العلواني

من أنواع فقهنا الإسلامي الغنيِّ بالثراء فقه «الأولويَّات»، جمع لما هو أولى؛ وذلك يعني أنَّ أمور الحياة لها مستويات متعددة، مستوى يحتلُّ مرتبة عالية، ومستوى آخر يحتلُّ مرتبة أعلى، ومستوى ثالث يحتلُّ مرتبة أدنى, ومن الحكمة أن تعرف الأمة أولويَّاتها, ففي الحروب تتعرض الأمة للتهديد، وتحتلُّ عملية توفير الأمن ومستلزمات ذلك المرتبة الأولى، فإذا وقعت مجاعة تحتل جهود توفير الأغذية المرتبة الأولى, فإذا حدث وباء صار توفير الدواء هو الواجب الأول، وحماية الأصحاء وتحصينهم ضد الوباء داخلاً في ذلك. وإدراك الأولويَّات من الحكمة: ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً (البقرة:269)، والأمة التي يتوافر لها الوعي بأولويَّاتها وتوجِّه جهودها بوعي وحكمة على نحو ما تأمن من الخوف ومن الجوع ومن المرض ما دامت قادرة على الاحتفاظ بمستوى عالٍ من الوعي بأولويَّاتها، والأمة التي لا يتحلى أفرادها بوعي مشترك على أولويَّاتها تُصاب بآفات واضطرابات في مستوى الرؤية والاهتمامات.

إنَّ كثيرين منا يُنفقون أموالاً طائلة على تكرار العمرة والحج طمعًا في الثواب، ولاشك أنَّ في الحج والعمرة ثوابًا كثيرًا، لكن من حج الفريضة عليه أن يبحث عن سبل أخرى يُوجِّه إليها جهوده وأمواله، مثل: كفالة وتربية الأيتام, وطلبة العلم, وتزويج العزَّاب, وتوفير المساكن لمن لا مساكن لهم, وبناء المرافق التي تحتاجها الأمة, وتوفير الخدمات التي لا تجد من يُوفرها, كل تلك الأمور وغيرها من أوجه البرِّ تُعد أولى بكثير وأكثر أجرًا من موالاة الحج والعمرة.

إنَّ توفير دور للأيتام يُنَشَّؤون فيها تنشئة حسنة، ويُعلَّمون فيها, ويربَّون تربية إسلامية أولىٰ بكثير من موالاة الحج والعمرة بعد حجة الإسلام، ومن يفعل ذلك فإنه سيحشر مع رسول الله في الجنة، وقد قرن رسول الله بين ذاته الشريفة وبين كافل اليتيم، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى، وقال: «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة», وهذه مرتبة عالية لا يرتقي الإنسان إليها بأيِّ عمل آخر, إنَّ أولويات الأمة كثيرة، وضروريَّاتها متسعة, وهي أحوج ما تكون إلى الوعي بفقه الأولويَّات ومراتب الأعمال، وإن أجهزة الإعلام والفضائيَّات وخطباء المساجد والمرشدين والدعاة مسؤولون عن بناء هذا الوعي وإشاعته والتشجيع عليه لمقاومة الآفات التي تفتك بمجتمعاتنا، وإذا تضافرت الجهود فإنَّ الوصول إلى توعية الأمة بفقه الأولويات لن يكون -بإذن الله- أمرًا صعبًا.

ولعلَّ من المناسب أن يُوضع مقرَّر دراسيٌّ تدريبيٌّ لطلاب الثانويَّات لتدريبهم وتعليمهم كيف يحدِّدون أولويَّاتهم بدقة, مستفيدين من التفريق بين مستويات «الضروريَّات والحاجيَّات والتحسينيَّات»، فكل ما يتعلق بالنفس والجوارح والعقل والدين والمال والعرض فهو من الضروريَّات التي لا تقوم الحياة بدونها، وتجب المحافظة عليها, ويدخل في ذلك كل ما يتعلق بطعام الإنسان وشرابه ولباسه وسكنه, والبيئة التي يحيى فيها, وحماية الهواء الذي يتنفسه من التلوث. ونستطيع أن نعتبر من بين ذلك مراقبة وسائط النقل مراقبة دقيقة، بحيث لا تتسبب في كوارث قد تودي بحياة الناس, أو تتلف أعضاء البعض لعدم ضبط الكوابح أو القيام بأعمال الصيانة اللازمة.

وكذلك الحال في المحافظة على العقل, وضرورة تجنُّب المفتِّرات والمخدِّرات والمسكرات، وكل ما يؤدي إلى الأضرار بالعقل الإنساني. ولابد من حماية المال الخاص والعام وعدم تبديده أو الإسراف في إنفاقه, أو التساهل في حمايته, أو تمكين السفهاء من التصرف فيه. ومثلها أعراض الناس وسمعتهم ودينهم. ثم يعلمون ما يكون في موقع الحاجة وكيف يحاط بالضمانات اللازمة لحفظها وحمايتها.

ثم الأمور الكماليَّة والتحسينيَّة من فنون وآداب وثقافة وما إليها، فذلك سوف يُعين أبناء المجتمع على إدراك الأولويَّات ومراعاتها, وسوف يكون من الوسائل الهامَّة لتكاتف المجتمع وتعاونه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *