Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

داعش بين أمريكا وإسرائيل

أ.د: طه جابر العلواني.

قصة القمقم الذي أخرج الساحر المارد منه ثم لم يعرف كيف يصرفه، داعش والقاعدة نموذجًا:

دعيت يومًا قبل عدة سنوات لحضور ندوة مصغرة مغلقة في جامعة جورج واشنطن؛ لمناقشة خطر القاعدة والتطرف والإرهاب في العالم الإسلامي، كان هناك عدد من كبار موظفي الدولة، من البيت الأبيض والخارجيَّة والبنتاجون، وال CIA وعدد من الأساتذة وطلاب الدراسات العليا، كان هناك أستاذان مسلمان إضافة إلى شخصي الضعيف، وشيخ طريقة معروف في تلك البلاد، وكان هناك أساتذة وباحثون من مختلف الخلفيَّات الدينيَّة والعرقيَّة، لم يتكلم أحد على الإطلاق عمَّا في العهدين القديم والجديد -أعني التوراة والإنجيل- من بذور لقضايا العنف، لا على مستوى الحدود والعقوبات ولا على مستوى تصنيف البشر، ولكن كانت هناك باحثة  ذكرت أنَّها أعدت بحثهًا بعد دراسة لمدة أربع سنوات لبرامج التعليم في السعوديَّة خاصَّة وكيف وجدت أنَّ كثيرًا من الآيات القرآنيَّة والأحاديث النبويَّة التي تُدرَّس للطلاب محمَّلة بأفكار تحمل بذورًا إرهابيَّة خطيرة، ذكرت منها: حديث “ستقاتلون اليهود”، والآية (29) من سورة التوبة، وختمت بمطالبة الإدارة الأمريكيَّة بالتدخل لدى المملكة وغيرها من البلدان المسلمة لتنقية البرامج التعليميَّة من تلك الآيات والأحاديث.

 وهناك باحثون آخرون تعرضوا إلى أمور مماثلة، وتعرض شيخ الطريقة المسلم وأحد القيادات الفكريَّة الشيعيَّة إلى الاعتراف بأنَّ المذهب الوهابي مشحونة كتبه ومراجعه بما يمكن أن يعد بذورًا وجذورًا للإرهاب، وبرَّأ الشيعي الفكر الشيعي من أيَّة أفكار إرهابيَّة، وكذلك شيخ الطريقة، وتكلَّم آخرون ثم جاء دوري، وكان المتحدث لا يعطى أكثر من عشر دقائق، فقلت: إنَّ الإرهاب في عالمنا العربي والإسلامي صناعة إسرائيليَّة أمريكيَّة، في بداياتها وجذورها، وهذه الصناعة يطورها بعد ذلك الاستبداد، ولكي أثبت ما ذكرته، تكلمت عن نشأة القاعدة، وربطت بين حرب ﭬـيتنام التي حاولت روسيا أن تستنفذ أمريكا بها، وحرب أفغانستان، التي كانت تحت النفوذ السوﭬـيتي، والنظام المحلي الشيوعي، وأنَّ مستر بريجنسكي مهَّد لذلك حين كان مسؤولًا عن الأمن القومي في الولايات المتحدة، وأنَّه بعد أن تقرر ذلك جرى تعاون بين بعض الأنظمة المحلية وأمريكا لفتح ما سمي آنذاك بأبواب الجهاد في أفغانستان، بتمويل مشترك من دافع الضرائب الأمريكي، وبعض الأنظمة المحلية، وأنَّه لا علاقة للآيات والأحاديث التي ذكرها بعض الباحثين في التأسيس لهذه الظاهرة، لكن رغبة إسرائيل بتحقيق أحلامها بمد دولتها قاعدة النفوذ اليهودي الصهيوني على منطقة ما بين النيل والفرات، والانطلاق للهيمنة على العالم بعد الهيمنة على بترول المنطقة وجميع إمكاناتها، وإخضاع أمريكا وأوروبا والحضارة الغربيَّة كلها لحكم تلمودي متعصب متطرف مؤمن إيمانًا هتلريَّا بتفوق العنصر اليهودي الصهيوني على البشر كافَّة، ووضع اليهودي الصهيوني المنتمي إلى تلك الدولة العرقيَّة الدينيَّة المتطرفة فوق العالم، وحكمها من الهيكل، هو الذي مهَّد لاندفاعهم إلى هذه التدخلات.

فلتنتشر الفوضى الخلاقة –حسب تسمية كونداليزا رايس- إذًا في العالم العربي والإسلامي، وتخلق وسائل الفوضى وتشكل بعقليَّة استشراقيَّة يهوديَّة صهيونيَّة، تفوقت عشرات المرات على الاستشراق الأوروبي الذي كان من وسائل ودعائم الاستعمار في مرحتله السابقة، فالاستعمار الاستيطاني اليهودي الصهيوني يحتاج إلى وسائل أكثر تعقيدًا وأدق وأكثر فاعليَّة مما قدمه واقترحه الاستشراق الأوروبي القديم، ولم تنته القاعدة حتى ظهرت داعش، وحين تضعف داعش لا ندري قد يصنعون لنا داحس والغبراء ثانية، والذي قرأ كتاب (the Mahdi in Islam) الذي صدر في سبعينيَّات القرن الماضي يستطيع أن يدرك كيف تصنع لنا المشاكل، وكيف يوظف فيها تراثنا وتاريخنا وفقهنا وفرقتنا، بل وحتى مصادرنا الدينيَّة، فإلى متى يستمر اللعب والتلاعب على جهلنا وغفلتنا، بل وغباء الكثيرين منا.

 وبعد أن انتهيت من إلقاء كلمتي؛ أقبل عليَّ أحد الحضور وكان سفيرًا لأمريكا في إحدى كبرى البلدان العربيَّة، وقال: هل ما ذكرته عن القاعدة وأفغانستان بنيته على معلومات أو هو تحليل واستنتاج؟ فقلت له: أنَّني لست موظفًا في أيَّة مؤسَّسة من مؤسَّسات صنع القرار؛ لكي يكون لدي معلومات من هذا النوع، لكنَّها الدراسة والتحليل والاستنتاج. قال: أمَّا أنا فقد كنت جزءًا من تنفيذ هذا القرار، فقد أوعزت إليَّ الخارجيَّة الأمريكيَّة بالتفاهم مع حكومة البلد الذي كنت سفيرًا فيه لتشجيع جميع الشباب المسلم للانضمام إلى حركة الجهاد في أفغانستان، تمهيدًا لهزيمة روسيا فيها، وأنَّنا سندفع دولارًا مقابل دولار آخر تدفعه الدولة التي كنت فيها، وهكذا بدأت أفواج الشباب العربي تتدفق إلى أفغانستان بتمويل مشترك منا ومنها، وأنا آسف على كل ما فعلت، وأذهب إلى الكنيسة أطلب المغفرة في كل أسبوع؛ لأنَّني أشعر أنَّ ذلك لم يكن أخلاقيًّا، وتستطيع أن تروي عني هذا الذي ذكرته لك، فتعزز تحليلك بهذه المعلومات، وقدم لي نفسه وزوجته، وانصرف ودموعه في عينيه.

 اللهم أدمنا بوعي منك وبصيرة، وأخرجنا من الظلمات إلى النور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *