أ.د. طه جابر العلواني
القرآن الكريم شاف كاف، يقول (جل شأنه): ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (العنكبوت:51)، بلى، والله إنَّ كتاب الله شاف كاف وحده بتلاوة وتعليم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنَّه لا تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا ونجد سبيل الهدى فيها في هذا الكتاب الكريم: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ (الفرقان:33). لكن بعض الناس لم يكفهم كتاب الله (جل شأنه) وأساؤوا الظن به، فأضاف بعضهم من عقله ما شاء حتى بلغوا بأدلة الفقه اليوم خمسين دليلًا أو أصلًا، ولو اكتفوا بكتاب الله وبتلاوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للكتاب، وتعليمه الكتاب كما أنزل؛ لأدركوا حكمته ولبلغوا به ما يريدون.
لقد بدأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إعلان رسالته بهذا الكتاب: ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللّهِّ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ (البقرة:252)، فبه كان الرسول رسولًا إلى العالمين كافَّة، وبآياته التي تليت على رسولنا بالحق وتلاها علينا بالحق كذلك كان من المرسلين، وبه فضله الله (جل شأنه) على جميع المرسلين. وكان كتاب الله (تعالى) وصيته حيث قال: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده أبدًا كتاب الله”. قالها (عليه الصلاة والسلام) وهو يجود بنفسه للاتحاق بالرفيق الأعلى، وأصحابه من حوله يريدون منه أن يوصيهم، وأن يسن لهم ما يلجأون إليه بعده، ليعصمهم من الضلال والاضطراب والاختلاف؛ ولذلك أعرض عن كتابة شيء آخر لعلمه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنَّهم لو اتبعوا القرآن الكريم لاهتدوا واستقاموا على الطريقة، وبلغوا كل ما يريدون، ولكن البعض توهم أنَّ القرآن غير كاف وحده، فأضاف بعض الناس وسنتي، وزاد بعضهم وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، وأضافت الشيعة وعترتي أهل بيتي، وكتاب الله (تعالى) وحده مغن كاف شاف، وتطبيقاته (صلى الله عليه وآله وسلم) توضح المنهج والجانب العملي والتطبيقي لهذا الكتاب العظيم إلى يوم الدين.
لكن الشيطان وسوس للبعض بأنَّ النصوص القرآنيَّة متناهية والوقائع غير متناهية، واستدرجهم بذلك إلى توهم بأنَّ الكتاب غير كاف، ولا بد من الاستعانة بأدلة أخرى كثيرة من المعقول ومن المنقول، وما كانوا بحاجة إلى كل ذلك. وبعضهم وسوس له الشيطان وصور له أنَّ القرآن حمال أوجه، وأنَّ عليه أن يسعى إلى ما قد يكون أوضح دلالة، وأبعد عن الاحتمالات والأوجه فقال بالأخبار والآثار، ولم يكفهم الاستفادة من الأحاديث الفعليَّة والمتواترة ففتحوا الباب واسعًا أمام أخبار الآحاد والمجاهيل والمنقطعين والمرسِلين، ونسبوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما قد تصح نسبته وما لا قد تصح، واستظهروا على ذلك بأحاديث ومقاولات، ولعل من أشهر ما استظهروا به على ذلك حديث: “ألا إنَّني أوتيت القرآن ومثله معه”، وهو حديث أخرجه أبو داود وأحمد والطبراني في الكبير وآخرون، وهو حديث لا يصح إسناده، فمداره على عبد الرحمن بن أبي عوف (وهو مجهول)، كما في جزء أشيب وسنن أبي داود، وعبد الرحمن هذا رجل مجهول. قليلون هم الذين وثقوه والأكثرين ضعفوه بجهالته.
والله (تبارك وتعالى) قد تحدى الإنس والجن، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) داخل في الإنس الذين تحداهم الله (تعالى) بأن لا يأتون بمثله، فأين هذا المثل الذين زعموه وادعوه، والله (تعالى) نفى المثل عن القرآن فلا شيء يماثل الله (جل شأنه)، ولا شيء يماثل القرآن كذلك، ولا يستطيع البشر ومنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ (الإسراء:88).