أ.د/ طه جابر العلواني
في الخامس والعشرين من نوفمبر من كل عام يحتفل الأمريكان بما يعرف بعيد الشكر، وحين درسنا الأعياد الأمريكيَّة كلها وجدنا أنَّ هذا العيد من أعيادهم عيد يجمع بين الاتجاه الوطني القومي الأمريكي والتوجه الديني، فالعيد يذكِّر الأمريكان بنجاة أجدادهم الذين تركوا أوروبا نتيجة الاضطهاد الديني والحروب الأهليَّة وجاؤوا ليعيشوا في العالم الجديد أو القارة المكتشفة، وقد قفز اليهود إلى هجرة الأمريكان هذه فجيروها لحسابهم، واعتبروا أنَّ الملك جمس ملك بريطانيا هو فرعون موسى، وأنَّ المحيط الذي عبره أسلاف الأمريكان هو البحر الأحمر، وأنَّ الأرض الجديدة تشبه الأرض التي نقل الله بني إسرائيل إليها بعد أن فرق البحر، ونجاهم وأغرق أعداءهم. المهم أنَّهم زجوا بأنفسهم في بداية التاريخ الأمريكي ليكونوا شركاء غير شرعيين في صناعة أمريكا الحديثة.
وعيد الشكر في الخامس والعشرين من نوفمبر يذكِّر بشكر الله (جل شأنه) على نجاة أسلافهم، ولكن ماذا فعل أولئك الأسلاف في العالم الجديد؟ هذا أمر يتجاهلونه، ويتكتمون عليه، ويدرِّسون أبناءهم أنَّ الأرض الأمريكيَّة كانت خالية، ليس فيها إلا مليونين من البشر الهمجيين وهم الهنود الحمر، وكلنا شاهد أفلامًا تصف الهنود الحمر وتبين تخلفهم، وهي مثل الدعوة التي يدَّعيها الذين استوطنوا فلسطين وأجلوا أهلها، لكن الأجيال الجديدة من بقايا الهنود الحمر في أمريكا وكندا استطاعوا أن يكتبوا ويصنعوا أفلامًا، ويذكِّروا الأمريكان بالتاريخ، وأنَّ هناك مائة واحدى عشر مليون من مختلف الحضارات كانت تعيش في القارة الأمريكيَّة وكندا، وأنَّ هناك آثارًا لما يشبه الأهرام في مناطق من الغرب الأمريكي تدل على وصول المصريين بأطواف خشبيَّة إلى الولايات المتحدة قبل كولومبوس، وهناك آثار لمساجد ولكتابات عربيَّة قبل كولومبوس، وكان يمكن للدول المسلمة أن تسعى إلى توثيق هذه القضايا وتستثمر أول اعتراف بالدولة الأمريكيَّة بعد نجاح انتصار ثورتها وهو اعتراف سلطان مراكش المسلم، وكان ينبغي أن يستثمر ذلك كله لبيان فضل العرب والمسلمين على أمريكا منذ ثورتها. وأنَّ المفروض أن تحفظ أمريكا للعرب والمسلمين جميلهم ولا تجعل جزاءهم “جزاء سنمَّار”.
كنا في الجامعة الإسلاميَّة للعلوم والدراسات الاجتماعيَّة gsiss نذكر بهذا العيد، وأنَّه يشبه سجدة الشكر عندنا، وكان ينبغي أن تجزي أمريكا الهنود الذين استقبلوا الأجداد وأطعموهم الديك الرومي والذرة وعالجوهم إلى أن شفوا ثم اقتلعوهم من أراضيهم وقضوا عليهم وعلى ما يقرب من مائة وتسعة ملايين من الذين كانوا يستوطنون تلك القارة من حضارات مختلفة، وأن يحترموا للمسلمين تضامنهم مع الثورة الأمريكيَّة ممثلين بسلطان مراكش المسلم، وبأولئك الرواد الذين ذهبوا إلى أمريكا وشاركوا في التأسيس والبناء، وأن يشكروا لهم ولأحفادهم تلك الأيادي البيضاء، وآنذاك يمكن أن يقال: إنَّهم شكروا الله على ما أنعم عليهم.
ما يزال العرب والمسلمون في حاجة إلى قراءة تاريخهم الحديث والقديم، والاستفادة من بعض ما حدث فيه؛ لتقويم وتسديد مسيرتهم في حاضرهم، فلو أنَّ سفاراتنا ومندوبينا والذين استوطنوا أمريكا من العرب والمسلمين بذلوا جهودًا مدروسة بمنهجيَّة وصبروا واتبعوا سياسة طول النفس لم تكن أمريكا موضع أهم تأثير في أي مكان لبني إسرائيل، والدولة اليهوديَّة الصهيونيَّة، فليت قومي يعلمون، وإذا علموا يفعلون.