Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

السؤال وضوابطه

د‏.طه جابر العلواني

يُعتبر السؤال من أهم الأدوات المعرفية إذا تعلَّمه الإنسان وأتقنه، وعرف كيف يصوغه، ولمن يوجِّهه، وفي أيِّ وقت يوجهه أو يثيره؛ ليكتسب بذلك السؤال معرفة صادرة من أهلها لمن يستحقها في الوقت المناسب لصدورها‏، وآنذاك يكون السؤال عبارة عن إثارة لقضية فكرية أو شرعية يحتاج الناس إثارتها في وقتها لسدِّ حاجة، لها موقعها في حياة المجتمع‏؛ ولذلك فإن الإسلام قد جاء ببيان لحقيقة السؤال وكيفية صياغته وآدابه وشروطه؛ لتحقيق ذلك الغرض المعرفي‏.‏

وكان القرآن المجيد سبَّاقًا إلى هذا الأمر‏, شافيًا للغليل فيه‏، فنهى عن أنواع من الأسئلة وأمر بأنواع منها، وحدَّد صيغها ومستوياتها, ونبَّه إلى كيفية التعامل معها‏، وبهداية القرآن الكريم علم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الرعيل الأول من جيل التلقي هذا الأمر, فجاء القرآن المجيد بصيغة يسألونك ويستفتونك في مرات محدودة‏،‏ وفي كل هذه الصيغ نجد القرآن ينبِّه السائل والمجيب -معًا- إلى خطورة وأهمية هذه الوسيلة المعرفية، فحين يقول القرآن: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ﴾ (البقرة:189) ويجيب عن ذلك بقوله‏:‏ ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ (البقرة:189) فإنَّه ينبِّه إلى أنَّ السؤال الذي أثير في تفاصيله نوع من الفضول والتزيُّد‏.‏

وحين سئل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عن الروح، قال القرآن المجيد‏:‏ ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا﴾ (الإسراء:85) ‏,‏ ليُنبِّه إلى أنَّ هذا السؤال عن قضية تتعلق بغيب ليس من شأن السائل أن يسأل عنه‏,‏ وعليه أن يدرك أنَّ علمه لا يمكن أن يحيط بكل شيء‏.‏

وبتأديب القرآن الكريم‏ أدب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أصحابه من أبناء جيل التلقي، ونبَّه إلى أنَّ من الأسئلة ما لا ينبغي أن يُثار أصلاً‏: ﴿لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ (المائدة:101),‏ وأنّكم إن سألتم عنها  -توهمًا منكم أنَّكم بذلك تُحرجون المجيب وتظهرون عجزه وقلَّة علمه- فإنَّ القرآن يمكن أن يُبديها لكم حين ينـزل، ولكنها لن تؤدي إلي انتفاعكم بها باعتبارها معرفة غير نافعة‏.‏

وينهى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أصحابه بقوله‏:‏ “دعوني ما تركتكم، فإنَّما أهلك من كان قبلكم قيل وقال، وكثرة السؤال، واختلافهم على أنبيائهم”؛ ولذلك ذكر العلماء للسؤال أنواعًا؛ فهناك السؤال من أجل التعلم والتعليم، والسؤال الإنكاريّ‏,‏ والتقريريّ، والسؤال الاستفهامي المعتاد‏,‏ وسؤال لا يترتب على الإجابة عنه فائدة أو عمل‏.‏

فعلى الحريصين على دينهم، والمتشوِّقين لتعلُّم أمور الدين والتفقه فيه أن يتَّقوا الله تعالى فيما يُثيرونه من أسئلة في أي مجال من المجالات، ويراعوا الله في آداب السؤال وشروطه، فكفى بالمرء إثمًا أن يُثير أسئلة قد يعرف مسبقًا أنَّ الإجابة عنها إذا عُمِّمت -ولم تنحصر في دائرة أهل البحث والاختصاص في ذلك المجال‏-‏ فإنها ستكون فتنة، فيتجنب إثارة تلك الأسئلة أساسًا‏.‏

وقد يكون ما حدث في الآونة الأخيرة درسًا يضع على عاتق علمائنا وأهل الرأي فينا مهمة أخرى إضافة إلى مهامهم الكثيرة، وهي مهمة تفقيه الناس بالسؤال وآدابه، ثم تفقيههم وتعليمهم ما يهمهم وما يصلح لمجتمعاتهم وما ينفعها في دنياها وأخراها؛ تجنُّبًا للقيل والقال وكثرة السؤال والاختلاف الذي لم تعد الأمة في حاجة إلى مزيد منه‏، ورُبَّ كلمة يقولها القائل لا يُلقي لها بالاً‏,‏ يهوي بها سبعين خريفًا في نار جهنم‏.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *