أ.د/ طه جابر العلواني
قُدّر لي أن أرى مجموعة من الحشد الشعبي الذين يؤسفني أنَّني رأيت ابن أخي السيد عبد العزيز الحكيم الشاب الذي كنت أأمل كل خير فيه السيد عمار وهو يرتدي ملابسه العسكريَّة المرقطة ويرفع يديه ب(الهوسة) مشجعًا لهم، ورأيت شيخًا آخر ذا عمامة بيضاء وهو يتجول بينهم محرضًا ثم رأيتهم وقد أمسكوا ببعض الضحايا من أبناء القرى المجاورة للدور والقريبة من تكريت وسمعت كلام ذلك الملازم الذي كان معهم وهم يضربون ضحاياهم بقضبان الحديد على بطونهم وصدورهم ورؤوسهم وأرجلهم بعضهم مات، وبعضهم كان في حالة احتضار.
لقد سمعت ذلك الملازم يقول بكل روح عابثة وبكل ما في أمثاله من برود: لا تتعبوا أيديكم في قتلهم فإنَّ الأولى أن نضعهم في النار، ونشويهم، ونأكلهم. ثم قال لأحدهم: احتفظ لي بفخذه، أنا مشتهي كباب من لحم هذا، واشوه لي فإنَّني من فترة لم آكل كباب، وفخذ هذا يصلح لأكلتي، لم أكن أتصور وقد رأيت أفلامًا وثائقيَّة وزرت بعض المجاهل الأفريقيَّة، ورأيت من كانوا يوصفون بأنَّهم من أكلة لحوم البشر، أن أرى مثل هذا الذي رأيت في العراق، ولكن أن يصل عراقيُّون يزعمون أنَّهم شيعة لأهل البيت، وأنصار لهم، ليشير وهو في منتهى حالات العبث إلى إنسان مثله ويقول لوحش آخر لا يقل وحشية وشراسة عنه: احتفظ لي بفخذه، فإنَّني أحب أن آكل منه كباب، أين رأيتم هذا بالله عليكم؟
كنت أستمع لشيخي الشيخ محمد فؤاد الألوسي وهو يعظ في أيام رمضان وغيرها في جامع مرجان في شارع الرشيد أول سوق الشرجة وهو يقول: لا تحسبوا أنَّ كل أولئك الذين ترونهم بأشكال بشريَّة بشرًا؛ لأنَّكم لو نظرتم إليهم ببصائركم وبنور الله لوجدتم فيهم ذئابًا وكلابًا وأفاعي وأسودًا، ومن سائر فصائل الحيوانات المفترسة، فالإنسان بالنفس لا بالجسم إنسان، وهؤلاء وإن كانت أجسامهم أجسام بشر لكن حقائقهم ونفسيَّاتهم نفسيَّات وحوش.
لقد رأيت ما فعله التكريتي علي حسن المجيد الشهير بـ”علي الكيماوي”، لقد كان علي كيماوي يرفص بعض من أسروا من أبنائنا وإخواننا في الثورة الشعبانيَّة برجليه، ثم يسارع بالإجهاز على بعضهم بمسدسه، لكن علي كيماوي يبدو أنَّه لم يمت وخلَّف آلاف من هؤلاء الذين ينافسونه على لقبه الكيماوي.
إنَّ عراقي مثل هذا الذي ينادي بأعلى صوته وبين مجموعة كبيرة من العسكريين أو الذين يرتدون الملابس العسكريَّة ممن يسمون بالحشد الشعبي لو وضعته في أوسع المحيطات وأكثرها ماءً لحكمنا بنجاسته، فما من بشر يحمل هذه الوحشيَّة إلا وفيه من القذارة ومن النجاسة ومن التوحش ومن الحيوانيَّة ما تعجز اللغة عن وصفه، وما تعجز مياه المحيط عن غسلة وتطهيره، ماذا نقول عن هؤلاء؟ وكيف يسمح حزب الدعوة ومن اختار أن يسمي نفسه المجلس الأعلى للثورة الإسلاميَّة أن يكون فيها مثل هؤلاء الذين يقودهم هذا العامري وأمثاله؟ أيَّة إسلاميَّة وأيَّة ثورة وأي مجلس يا ابن آل الحكيم، يا مظلة هادي العامري؟ أي شيء هذا الذي يعمل باسمكم، ويصنع بمباركتكم؟ أين السيد السستاني ومرجعيَّته حين نادى بالنفير العام؟ أهؤلاء هم الذين استنفرهم؟ أهذا هو النفير العام؟.
نحن الذين كنا نحارب الطائفيَّة وانتصرنا للسيد الصدر ولآل الحكيم، وللسيد الخوئي، وغيرهم، كيف يستحل من أبنائنا كل هذا، وهذه الجراح متى يمكن أن تلتئم، وكم جيل تحتاج لتلتئم، ألم يعد في العراق رجل رشيد؟ ألم يعد في العراق إنسان رشيد؟ العراق بلد الأئمة من آل البيت، بلد الفقهاء والعلماء بغداد التي احتضنت دار الحكمة، العراق صاحب مدرستي الكوفة والبصرة، أيؤول إلى هذا المآل؟ أيتحول أبناؤه إلى وحوش، ومجموعة من أكلة لحوم البشر؟ أين هذا من التشيع النقي الصافي الذي أحببناه، التشيع العلوي، الذي مثله شاعر مثل الكميت الأسدي، ودعبل الخذاعي، وأمثالهما؟ كأنِّي بالإمام الحسين واقف في الطف يتبرأ من هؤلاء أحفاد البكائين الذين قتلوه ثم شرعوا يبكون عليه، لو أعطينا هذه النفوس المتوحشة إلى أي مستشفى نفسي أو مصحة عقليَّة كم من الأمراض سيجد فيها؟ وكم من العاهات سيجد فيها؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم إنا نبرؤ لك من قتلة الشعبانيين، ونبرؤ لك من قتلة إخوانهم، وأبناء وطنهم، أيًا كانوا داعشيين أو شعوويين، ونعوذ بك يارب من أن تكثر أمثالهم، أو تبقي عليهم، ربي لا تذر على الأرض من المجرمين ديارًا، إنَّك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا، ربي إنَّك إن تذرهم لا يلدوا إلا متوحشًا مدمرًا مبيرًا مبيدًا، مهلكًا للحرث والنسل، فعليك اللهم بهم، فإنَّهم لا يعجزونك، عليك اللهم بهم فإنَّهم لا يعجزونك، عليك اللهم بهم فإنَّهم لا يعجزونك، خذهم أخذ عزيز مقتدر، وليرفع حزب الدعوة كلمة الدعوة من عنوانه، وكذلك المجلس الأعلى يجب أن يرفع كلمتي الثورة الإسلاميَّة، فكل هؤلاء لم يعد الإسلام قادرًا على أن يستر لهم عورة، بعد ما ارتكبوا من فظائع، ومجازر.
إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.