Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

الأحاديث وآفات رواتها

أ.د/ طه جابر العلواني

دخلت إلى أحد المساجد مرة، فوجدت شابًا يتصدر حلقة من شباب التفوا حوله، يستمعون إليه وكأنَّ على رؤوسهم الطير، فجلست في طرف الحلقة، أستمع إلى ذلك الشاب الحَدَث الذي كان يُعلم من حوله مجموعة من الأحاديث النبويَّة عن ظهر قلب، ودون أن يستعين بكتاب، وأعجبني ما كانت لديه من قدرة على الربط بين تلك الأحاديث التي يرجع ما صح منها إلى أزيد من أربعة عشر قرنًا، كيف كان يسقطها ويربطها بواقع الجماعة التي ينتمي إليها على ما يبدو، بحيث تصور وصَوَّر لسامعيه كأنَّها تقال لأول مرة وبهذه المناسبات.

 واعتبرت أنَّني أستمع وأرى نموذجًا جيدًا يصلح موضوع دراسة لكيفيَّة تعامل شباب بعض التجمعات وتلك الأحاديث والآثار والأخبار والمرويات، إلى أن قارب الشاب مرحلة النهاية من درسه أو موعظته، أو خاطرته، فإذا به يقول: أيُّها الإخوة، أيُّها الأحبة في الله، أختم بحديث صحيح أود أن يبقى معكم في ذاكرتكم لا تنسونه مهما حدث، وقلت في نفسي: سيذكر لهم الرجل حديث: “لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده ابدًا”، أو حديثًا قريبًا من ذلك، لكنَّني فوجئت فيه وهو يقول: “خذو الإسلام جملة أو دعوه” هكذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما يزال الكلام له، وبدأ يشرح ويؤكد أنَّ هذه العبارة التي رواها لمن معه على أنَّها حديث نبوي أنَّ الإسلام ينبغي أن يؤخذ كله شريعة، ونظامًا، ومنهاج حياة، وعبادات، ومعاملات وغيرها، فإمَّا أن يأخذه الناس بجملته، فيكونون مؤمنين، وإمَّا أن يرفضوه بجملته وبذلك يكونون من الكافرين، أمَّا أن يأخذوا بعضه ويتركوا بعضًا فذلك ما لا يقبله الإسلام.

وانتهى الرجل من حديثه، وأغلقه على ذلك، وبعد أن فرغ أصحابه من السلام عليه والخطو معه بضع خطوات تقدمت إليه وسلمت عليه، فهش لي الرجل وبش، وتذكرت أنَّ العبارة التي سماها حديثًا وهي خذوا الإسلام جملة أو دعوه لم تكن سوى عنوان مقالة من مقالات سيد قطب -يغفر الله لنا وله- نشرت في مجموعة مقالات له عنوانها: “دراسات إسلاميَّة”، ولا أدري إذا كان الرجل قد حفظها من كتاب سيد قطب ذاك أو من غيره، ثم اختلط الأمر عليه، فأخبر الناس عنها بأنَّها حديث نبوي، أو ما الذي حدث؟

فقلت له: أخي الحبيب ما ذكرت أنَّه حديث هو عنوان مقالة لفلان، تجدها في كتابه ذاك، قال: لا يا أخي إنَّها حديث نبوي رواه البخاري، ولمَ لا تقول: إنَّ الأستاذ قد اقتبس عنوان مقالته من ذلك الحديث، قلت: والله سأقول بذلك لو رأيت الحديث فعلًا لدى البخاري وله إسناده، ومتنه، والباب الذي وضعه البخاري فيه، فاذكر لي ذلك إن كنت مطلعًا على البخاري وما فيه، فقال الرجل: سأرجع إليه، وأخبرك -إن شاء الله. ولا رجعت ولا رجع الحمار، ثم تذكرت بعض ما كنت أطلع عليه في كتب بعض الرجال وتراجمهم لبعض أولئك الذين كانوا إذا استحسنوا مقالة في ألفاظها ومعانيها قالوا والله إنَّها لكلمة تليق بأن تنسب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيسارعون إلى نسبتها إليه، ويصكون منها حديثًا ما أغنى رسول الله وما أغنى الإسلام عنه.

هذه الظاهرة إنَّما هي ظاهرة مرضيَّة تحاول إلزام الناس بمقولات تبنتها، وألزمت نفسها بها، وتريد أن تمنحها الحجيَّة بنسبتها صدقًا أو كذبًا إلى المقام الأطهر مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي جاء بالصدق وصدق به، والذي عصمه الله من الكذب، والفحش، والسب، واللعن، والطعن، والهمز واللمز، والاغتياب، وسائر آفات الألسن والقلوب، فليتعلم رواد تلك الحلقات دينهم من الأثبات، والثقات، والمصادر المعتبرة، وليس لهم أن يغتروا بالأشكال والسمات والأوصاف التي يطلقها على مشايخهم، أو المتحدثين باسمهم من ألقاب، فكثير من الألقاب تم اختراعها في عصور الظلام، فتقرأ عن هذا أو ذاك أنَّه فريد عصره، ونسيج وحده، ولم ير أحدًا مثل نفسه، وما إلى ذلك؛ ليروجوا بها مقالات وأفكار أصحابهم ويحملوا الناس على استقبالها والتشبث بها، والترويج لها، فعلى الناس أن يتحروا لأنفسهم وأديانهم، كما يتحرون لصحتهم وأبدانهم.

والله سبحانه وتعالى ناصر ومعين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *