أ.د/ طه جابر العلواني
الناس جميعًا يدركون أن المسجد الأقصى يمر بأشدّ الظروف حرجًا، وأنّ اليهود وبني صهيون قد هيأوا كل شيء لهدم الأقصى، وإقامة الهيكل المزعوم، والذي يدّعون أنّهم كانوا ينتظرون هذه اللحظة منذ سنة خمس وسبعين قبل الميلاد، فهي بالنسبة إليهم أمل، ولحظة فارقة، ووعد كاذب يزعمون انتظار الوفاء به، إلى آخر مزاعمهم.
وقد نوهت في مقالة سابقة بأنّ “جورج دبليو بوش” ” George W. Bush” كان يريد أن يقام الهيكل هو وجميع “المسيحيين اليهود” ” “Christians Jews في الولايات المتحدة خاصة قبل انتهاء ولايته الثانية، بل انتشر في سنة 2003 أن الهيكل قد بُني في مبان جاهزة، لا تحتاج إلّا أن تنقل من موقعها في ” إنديانابوليس” ” Indianapolis” حسب شائعات تلك المرحلة، لتقام على حطام بيت المقدس، وبذلك تتهيأ جميع الأجواء لاستقبال السيد المسيح في مجيئه الثاني إلى الأرض، هذه المرة ليحكم الأرض لمدة ألف عام يملأها عدلا بعد أن ملئت جورًا حسب زعمهم.
ويشارك هؤلاء المسيحيين اليهود بعض المسلمين في أصل اعتقاد المجيء الثاني للسيد المسيح حسب دعاواهم، والنقول التي رووها، وأسندوا، ورفعوا منها ما رفعوه، وقد مضت كما تعلمون كل تلك السنين ولم يقم الهيكل، ولا نزل السيد المسيح، الذي كان “بوش” و “المسيحيون اليهود” وبعض المسلمين ينتظرونه وينتظرون نزوله قبل سنة ،2009 ونحن الآن في 2015!
ويبدو أن الأرض لم ترتو بعد من دماء المسلمين، فلم يمهدها الماهدون؛ لنزول عيسى، وظهور المهديّ، ومجيء المشايع، وظهور المخلِّص وسيطول الانتظار، لكن الذي يهمنا: توظيف المتطرفين الأمريكان، والإرهابيين منهم، ومتطرفي الدولة الصهيونية اليهودية العبرية، ومنهم: “نتانياهو” لتحقيق غايتهم، ويبدو أنهم لم يقتنعوا بعد بما فعلوه، فلابد من إبادة العرب، وتدمير بلدانهم كلها، وتركيعهم جميعًا، وتدمير عواصمهم، والاستيلاء على أموالهم وأراضيهم بدمائهم، وصبغ أديمها بما بقي من ماء الحياء، ودماء العذارى المغتصبات؛ لكي يكون التمهيد على أصوله فيعلن ” نتانياهو ” بضرورة تهويد الدولة العبرية، وطرد كل من فيها من مسلمين أو عرب، أو إبادتهم إذا لم يمكن طردهم، وتدمير العراق وسوريا واليمن والخليج، وتفكيك دولهم وحكوماتهم؛ كي يقتنع السيد المسيح بأنّه قد آن الأوان لنزوله ولمجيئه، وأنّ جماجم المسلمين سوف تكون كلها تحت قوائم عرشه؛ ولذلك نجد الفتن قد عمّت بلاد المسلمين، والفرقة، والتمزق، والحروب الأهلية، والاقتتال، وتدمير الثروات في هذا الوسط من العالم صارت أهدافًا وأغراضًا لهؤلاء كلهم بحجج مختلفة، ولم يعد أحد في هذه المنطقة من العالم التي تحيط بالأقصى وبالأرض المباركة قادرًا على النجاة بنفسه، أو عرضه، أو ماله، أو أطفاله، فكل ما في المنطقة مباح ومستباح، فهناك ما يستبيحه اليهودي الصهيوني، وهناك ما يستبيحه الآخرون بمختلف الوسائل وشتى الأعذار.
بعض الطبيين يرى أنه لو حدث ذلك فستكون كارثة على المسيحيين اليهود، والصهاينة اليهود، وصنائعهم؛ وذلك لأن هدم الأقصى سوف يهز مشاعر المسلمين ويجعلهم ينتفضون من الخليج إلى المحيط، ومن المحيط إلى المحيط، ومن النيل إلى الفرات، ومن الفرات الى جيحون عن بكرة أبيهم، ويسقطوا “الدولة الصهيونية” وداعميها، ويدمروا مصالحهم. وحين سمعت بعض الطيبين يتحدثون بهذه اللهجة لملمت بقول الشاعر الذي جعلته عنوانًا لهذه المقالة “ما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ”، فردود الأفعال مَظهر حياة، ودليل وجود، أما الأموات فهم في دار أخرى لا يمكن أن يصدر عنهم فعل دنيوي، ولا رد فعل، فلابد من استعادة الحياة، وإعادة بناء الوعي ليكون هناك فعل ورد فعل.
فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، نسأل الله (جلّ شأنّه) أن يحفظ الأقصى، والبقية الباقية من المرابطين حوله، والذين يصّرون على أن يفارقوا الحياة، ولا يفارقونه، فهؤلاء هم أمل الأقصى الوحيد في تغيير هذه الصورة المفجعة.
سائلين العليّ القدير أن يهيئ لهذه الأمَّة أمر رشد، يعز به أهل طاعته، ويذل به أهل معصيته، وتعلو به كلمته، إنّه وحده قادر على ذلك، والمعين على بلوغه.