Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

بين كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة

أ.د/ طه جابر العلواني

إنَّ الإسلام لم يؤكد على شيء تأكيدَه على “كلمة التوحيد” و”توحيد الكلمة”؛ فالأولى تدعو إلى الإيمان بالله إيمانًا نقيًا خاليًا من كل شائبة، والثانية إنعكاس عملي تام للأولى. فمن كان ربهم واحدًا، ونبيهم واحدًا، وكتابهم واحدًا، وقبلتهم واحدة، وسبب خلقهم ومعاشهم واحدًا، لابد بالضرورة أن تكون كلمتهم واحدة ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء:92)، ولكن المسلمين – للأسف أخلّوا بكلمة التوحيد، وزهدوا بتوحيد الكلمة.

       لقد اكتسبنا المعرفة وافتقدنا خلقها، وامتلكنا الوسيلة وضيعنا الهدف والغاية؛ ذلك أنَّ أهل الكتاب لم يؤتوا من قلة علم وضآلة معرفة وإنَّما أوتوا من الانحراف فكان هلاكهم، وإنَّما كان هلاكهم لأنَّهم استخدموا ذلك العلم وتلك المعرفة للبغي بينهم ﴿.. وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ..﴾ (آل عمران:19) فهل ورثنا علل أهل الكتاب بدل أن أورثنا الكتاب؟! وهل ورثنا عنهم البغي والحسد بدل أن نرث العلم والمعرفة ونلتزم بأخلاقهما وقيمهما؟.

       إنَّه ما من سبيل للخروج من الأزمات الفكريَّة والاضطراب الفكري الذي أصاب العقل المسلم والأزمة الأخلاقيَّة التي يعاني منها السلوك المسلم إلا بمعالجة جذور الأزمة الفكريَّة وإصلاح مناهج التفكير، فلا بد من إعادة الصياغة الفكريَّة للعقول وإعادة الترتيب المفقود للأولويَّات وتربية الأجيال المسلمة على ذلك .

 

  متى يكون الاختلاف مردودًا ومتى يكون مقبولًا؟

 خلق الله الناس بعقول ومدارك متباينة إلى جانب اختلاف الألسنة والألوان والتصورات والأفكار، وكل تلك الأمور تفضي إلى تعدد الآراء والأحكام وتختلف باختلاف قائلها، وإذا كان اختلاف ألسنتنا وألواننا ومظاهر خلقنا آية من آيات الله تعالى، كذلك فإعمار الكون وازدهار الوجود، وقيام الحياة لا يتحقق أيٌ منها لو أنَّ البشر خلقوا سواسية في كل شيء، وكلٌ ميسر لما خلق له ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ..﴾ (هود:118-119).

     إنَّ الاختلاف الذي وقع في سلف الأمَّة – ولا يزال واقعًا – جزء من الاختلافات، فإن لم يتجاوز الاختلاف حدوده والتُزمت آدابه كان ظاهرة إيجابيَّة ومن إيجابيَّاته: أنَّه يتيح، – إذا صدقت النوايا – معرفة جميع الاحتمالات التي يمكن أن يكون الدليل رمى إليها بوجه من وجوه الأدلة أو أكثرها. كما أنَّ في الاختلاف الذي وصفناه رياضة للأذهان وتلاقحًا للأفكار، وغير ذلك من فوائد. لكنه إذا جاوز حدوده ولم تُراع آدابه تحول إلى جدال وشقاق يحدث شرخًا في بناء الأمَّة .

أقسام الخلاف من حيث الدوافع

  • خلاف أملاه هوى النفس وحب الذات، فهو وليد رغبات نفسيَّة لتحقيق غرض ذاتيّ أو نفع دنيويّ، وهذا خلاف مذموم لأنَّ حظ الهوى فيه غلب على تحري الحق ﴿.. وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ..﴾ (ص:26). واكتشاف تأثير الهوى في فكرة مَّا يمكن أن يتم بطرق كثيرة بعضها خارجيّ وبعضها ذاتيٌّ؛ فأمَّا الخارجيّ فبعرض الفكرة على القرآن والسنَّة الصحيحة، وإثبات عدم تصادمها مع ما تقتضيه العقول السليمة التي يقبل الناس الاحتكام إليها. وأمَّا الطرق الذاتيَّة فتكون بنوع من التأمل والتدبُّر في مصدر تلك الفكرة ومساءلة النفس بصدق حول سبب تبنِّيها لتلك الفكرة، وما مدى تأثير الظروف المحيطة؟ وهل هناك من ضغوط وجهت المسار دونما شعور؟ ثم الغوص في أعماق الفكرة نفسها لنقدها ومعرفة ما فيها.
  • خلاف أملاه الحق: فمخالفة أهل الإيمان لأهل الكفر والشرك والنفاق خلاف واجب لا محيد عنه، ولا تقبل موافقتهم في هذه الأمور؛ ولا يعني ذلك أن يعيش المسلمون مع هؤلاء في حالة حرب دائمة مستمرة؛ لأنَّ للحرب والسلم مع هؤلاء قواعد ونصوصًا حاكمة أخرى!!.
  • خلاف يتردد بين المدح والذم ولا يتمحض لأحدهما؛ وهو خلاف في أمور فرعية تتردد أحكامها بين احتمالات متعددة يترجح بعضها على بعضها الآخر بمرجحات. وهذا النوع من الاختلاف مزلة الأقدام؛ إذ قد يلتبس فيه الهوى بالتقوى، والعلم بالظن، والراجح بالمرجوح، والمردود بالمقبول. ولا سبيل لتحاشي الوقوع في تلك المزالق إلا باتباع قواعد يُحتكم إليها، وضوابط تنظمه وآداب تهيمن عليه، وإلا تحول إلى شقاق وفشل .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *