أ.د/ طه جابر العلواني
الركاز: مفهوم قرآنيّ، يطلق على المال المدفون، إمّا بفعل آدميّ، كالكنز، وإما بفعل إلهيّ كالمعادن وما إليها.
والركاز في الحديث الشريف، يتناول الأمرين، حيث روى البخاري ومسلم، وغيرهما قوله صلى الله عليه وآله وسلم: “وفي الركاز الخمسُ”، وقال الشرَّاح والفقهاء: المرادُ به الأمران، ولا شكَّ أنَّ النفطَ والغاز مندرج تحت مفهوم الركاز، وكذلك سائر المعادن المستخرجة من باطن الأرض.
ودفع الخُمُس هنا فريضة كالزكاة, سواء أكان مَنْ استخرجَ المعادنَ أو الكنوزَ دولةٌ أو شركاتٌ أو أفرادٌ، فيجب دفعُ الخمسِ ممَّا يُستَخْرَجُ إلى مستحقِّيه من أبناءِ الأمةِ، ونحن نعلم أنَّ هناكَ دولاً وبلداناً حباها اللهُ جلَّ شأنهُ بالمعادنِ والمواردِ، وفي تلكَ المعادنِ والمواردِ المستخرجةِ هذا الخُمُسُ، أي ما مقدارُه 20% من المستخرج، تُرَى لو كنَّا ملتزمينَ بالكتابِ والسنَّةِ مستجيبين للهِ ولرسولِهِ، ودَفَعَ أصحابُ البلدانِ الغنيَّةِ خُمُسَ الركازِ المستخرَجَةِ مِنْ أراضيهِمْ للذين ليس في أراضيهم ذلك, هل احتاجت تلك البلدان إلى القروض الربويَّة من الحكومات الأجنبية والمؤسسات الدولية وغيرها؟ وهل تراكمت عليها الديون وتحوَّلت قيداً على حريَّتها وعلى استقلالها؟ وصارت تدفع الربا عليها أضعافاً مضاعفةً.
وهناك بلدان من أهم بلدان المسلمين اقترضت وما زالت لا تستطيع تسديد أكثر من الربا سنويّاً على تلك الديون، فيبقى الدين ثابتاً وتتراكم فوقه فوائده، فهل لنا أن نذكِّرَ أمَّتنا بهذه الفريضة الغائبة في هذا الشهر الكريم؟ الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون فيه كالريح المرسلة في الجود والكرم، وهل نطمع أن نسمع من قيادة أيِّ بلد من البلدان التي حباها الله بالمعادن والموارد بياناً تقول فيه “إنني سأدفع 20% -وهو الخمس-من عائدات ما اسْتُخْرِجَ هذا العام من باطن الأرض من نفط وغاز ومعادن إلى البلدان المجاورة أو المسلمة، التي لا تجد كنوزاً أو معادن تستخرجها من أرضها؟ على الأقل في الوقت الحاضر.
وماذا لو أنَّ جامعة الدول العربية ومنظمة التضامن الإسلامي تبنّتا هذا الأمر، وطالبتا بتنفيذ حكم الله في هذا الأمر ليبارك الله في تلك البلدان المنتجة، ويتمَّ نعمته عليها، ويجعلَ ما تستخرجه من باطن الأرض نعمةً عليها وعلى جيرانها، بدلا من أن تكون نقمة.
الآمال الكبيرة تحتاج إلى همم وعزائم، ونفوس كبيرة، ونرجو ألا نُعدَم مثل اصحاب هذه النفوس بين القادة والحكام من أبناء الأمة:
وإذا كانت النفوس كباراً ***تعبت في مرادها الأجسام.
والله وليُّ التوفيق.