الحلقة الثانية
مرتكب الكبيرة
أ.د: طه جابر العلواني
قال تعالى: ﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا﴾ (النساء:31)، وقال -جل شأنه: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ (النساء:48)، إنَّ العفو والمغفرة والمؤاخذة بالذنب أمور تعود لله وحده، فهو مالك يوم الدين، له أن يعذب -جل شأنه- وذلك عدل منه، وله أن يعفو وذلك فضل منه، لا اعتراض لحكمه.
والذنوب على منزلتين غير الإشراك بالله -تعالى: الكبائر والصغائر، وليس للناس أن يلعنوا مرتكب الذنب، ولا أن يقولوا: إنَّه في النار، أو يجزم بذلك، ويكفي أن يصف الفعل بما يصفه الله –تعالى- به من أنَّه سيئة أو فاحشة أو إثم أو مقت، وليس لهم أن يقفزوا على مرتبة الجزاء ليقرروا ما يستحقه، فذلك حكم عليه، والله قد حصر الحكم بذاته العلية.
والمذنبون يستحقون من الآخرين الدعاء لهم بالتوبة والصلاح، لا الحكم عليهم بدخول النار وإيجاد الوقيعة الدائمة بينهم وبين الله –جل شأنه-، فالدعاء لهم بالاستغفار والتوبة أفضل من لعنهم وسبهم والدعاء عليهم والحكم عليهم بدخول النار، فرحمة الله قد وسعت كل شيء، ومغفرته لا تحدها حدود، ﴿قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا﴾ (الإسراء:100)، فليس لأحد أن يستيقن أنَّ الله سيعذب فلانًا إلا مَن نص الله عليه، مثل أبي لهب، فالإنسان مطالب بالتأدب مع الله -تعالى- قبل التأدب مع الناس أنفسهم، فالشرك ظلم عظيم، وذنب كبير، والشرك قد يدخل من مداخل خفيَّة أو ملتبسة على بعض أهل الإيمان، فينبغي أن نحذرهم من ذلك وليس لنا أن نصفهم بأنَّهم مشركون.