Menu
منهجية التعامل مع التراث الإسلامي - مراجعة لكتاب من أدب الاختلاف إلى نبذ الاختلاف - أُمْنِيّة أهلِ السجود([1]) - The future of Islam in America and west - جانب من جلسات فريق باحثي الأزهر للعمل على وضع منهجية مراجعة التراث - حوار حول الربيع العربي - الإسلام والمسلمون من وجهة نظر غربية - برنامج اخترنا لمكتبتك - معالم في المنهج القرآني - ومضات فكرية

إلى السيّد الرئيس

أ.د.طه جابر العلواني

لا أجد ما أقوله -والفتنة تسعى لتجد سبيلًا لها إلى قلوب المصريين كافَّة- إلا التذكير بأمرين؛ أولهما: إنَّ تفريق الشعب المصري وتخريب مصر هدف -غير خفي- من أهداف بعض الجيران، فثمّة بَلَدَان وضع ذلك الجار تخريبهما هدفًا في استراتجيته ليستقر كيانه؛ أولهما العراق، وقد تم تخريبه وتدميره بأيدي Paul Wolfowitz[1] وبعض الصنائع من أصدقائه العراقيين، ولا يُتوقع لهذا البلد أن يعود لما كان عليه قبل أقل من نصف قرن من الزمن. والبلد الثاني المستهدَف هو مصر؛ فشعبه يُراد له التفكّك بحيث لا يستعيد وحدته قبل عقود كثيرة من السنين، بل ربما تذهب تلك الوحدة إلى الأبد لا سمح الله. ولذلك لا بد للجميع أن يراقبوا الله -تعالى-  ويتقوه في وحدة هذا الشعب وجمع كلمته وتجنّب ما يفرق بين أبنائه، وذلك فقه الكلمة والوعي واليقظة من جميع الفئات ومن الاعلاميين خاصة والقضاة بشكل أخص، فرُبَّ كلمة  يقولها الانسان لا يُلقي لها بالًا يهوي بها سبعين خريفًا في قعر جهنم.

الأمر الثاني: لا أجد ما أذكر به الرئيس الدكتور محمد مرسي -بعد تقوى الله- إلا رسالة سيدنا عمر إلى قاضيه أبي موسى الأشعري كما ورد في نصها الآتي ذكره:

“من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس..أما بعد،

فإنّ القضاء فريضة محكمة، وسنّة متَّبَعة، فافهم إذا أُدلي إليك، وأَنفذ إذا تبيَّن لك، فإنّه لا ينفع تكلُّم بحق لا نفاذ له.

آس بين الناس في مجلسك وفى وجهك وفي قضائك؛ حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك.

البيّنة على مَنْ ادّعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صُلحًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا، ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهُديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإنَّ الحق قديم لا يُبطله شيء، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، ومَنْ ادَّعى حقًّا غائبًا أو بيّنة فاضرب له أمدًا ينتهي إليه، فإن بينه أعطيته بحقه وإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية، فإنَّ ذلك أبلغ للعذر وأجلى للعمى.

الفهم الفهم فيما أُدلي إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنّة، قم قايس الأمور عندئذ واعرف الأمثال، ثم اعمد فيما ترى إلى أقربها إلى الله وأشبهها بالحق.

المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجرَّبًا عليه شهادة زور ومجلودًا في حد أو ظنينًا في ولاء أو قرابة، فإنّ الله تولّى من عباده السرائر وستر عليهم الحدود إلا بالبينات والأيمان.

وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالخصوم والتنكر عند الخصومات، فإنّ القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله به الأجر ويُحسن به الذكر، فمَنْ خلصت نيته في الحق -ولو على نفسه- كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومَنْ تزيّن بما ليس في نفسه شانه الله؛ فإنّ الله -تعالى- لا يقبل من العباد إلا ما كان خالصًا، فما ظنّك بثواب عند الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته؟

والسلام عليكم ورحمة الله.”

هذه رسالة تعتبر من أهم ما  عرفته البشريّة في أدب القضاء، والرئيس -وإن لم يكن قاضيًا- لا يستغني هو أو مستشاروه عن هذا النوع من الأدب، فلعل الله -تعالى- يشرح صدورهم إلى ما يُعين على تجاوز هذه الأزمة وإخراج مصر وشعبها منها بسلام، ومحاولة احتواء أيَّة آثار جانبية تنجم عنها.

وأذكّر السيد الرئيس بحلم خلفائنا وحكمة أمرائنا، فهناك القصة المشهورة التي أعلن عمر فيها تراجعه عمَّا كان قد عزم عليه من تحديد مهور النساء، وما زال النساء يتداوَلْنَ بأعجاب قولته المشهورة: ” أصابت امرأة، وأخطأ عمر”. وقد مرَّ -رضي الله عنه- في المسجد، وكان أحد الناس نائمًا، فعثر به، فما كان من النائم إلا أن قال: “أحمار أنت ؟!”، فقال رضي الله عنه: “لا”، ثم مضى في طريقه، فقيل له: “يا أمير المؤمنين، ألا يستحق التأديب؟”، فقال رضي الله عنه: “قد سألني وأجبته”. وقال رضي الله عنه: “لو أنّ جملًا على شط الفرات زلق فهلك ضياعًا لخشيت أن يُسأل عنه عمر: لِمَ لم يُعبّد له الطريق”.

فلعل ما ذكرته يُذكّرنا جميعًا بما ينبغي لنا أن نفعله في هذه الظروف الحرجة.

[1]  كان يحتل منصب مساعد وزير الدفاع الأمريكي، ويعتبر ولفويتس المهندس الأول لحرب العراق التي اندلعت عام 2003م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *